خفض دعم الوقود سيلتهم تأثير تراجع أسعار النفط على المواطن العادي
لندن - عاد شبح الكوابيس التي عاشتها الدول العربية المنتجة للنفط خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث تنخفض أسعار النفط، فتتأثر موازناتها، وينعكس ذلك في تأجيل المشاريع الاقتصادية ويمتد إلى تراجع الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية، لتنخفض بذلك تحويلات عمالة الدول العربية غير النفطية. يقول محللون إن تراجع أسعار النفط ستكون له تداعيات واسعة على الدول العربية المنتجة وغير المنتجة للنفط، وأن الانعكاسات السلبية تفوق بعض المكاسب المحدودة. وجاءت جميع الأزمات السابقة في ظل حروب تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، حيث حدثت الأولى في الثمانينات خلال الحرب العراقية الإيرانية، وحدثت الثانية في التسعينات، خلال الحرب الدولية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وجاءت الثالثة خلال التحضيرات لاحتلال العراق في عام 2003. ومن المتوقع أن تكون لتراجع أسعار النفط تأثيرات على هيكل الإنفاق والمساعدات الخارجية للدول المنتجة، رغم الفوائض الكبيرة التي تملكها بعض الدول مثل السعودية والإمارات والكويت وقطر.
انحدار الأسعار
وفاجأ إيقاع تراجع أسعار النفط المنتجين والمستهلكين بعد أن كان الحديث يدور عن سقف 100 دولار للبرميل كمعدل يحقق مصالح الطرفين، لكنها واصلت انخفاضها أمس ليقترب خام برنت من حاجز 82 دولارا للبرميل. ومن المرجح في ظل هذه الأسعار والمنافسة على تقديم خصم للأسعار الذي قامت به معظم دول أوبك وبينها الكويت والسعودية أن ينحدر متوسط سعر سلة خامات أوبك إلى ما دون 80 دولارا للبرميل. وكانت السعودية على سبيل المثال قد سجلت آخر عجز في الموازنة في عام 2009 بعد الأزمة المالية العالمية، بسبب انخفاض الطلب على النفط، حيث بلغ عجز الموازنة نحو 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير المؤسسات الدولية وبينها وكالة الطاقة الدولية إلى أن دول أوبك لا تبدو معنية بخفض الإنتاج وأنها تتجه إلى حرب أسعار مع منتجي النفط الصخري، الذي تزيد تكاليف إنتاج الكثير منهم على 80 دولارا للبرميل، مقارنة بمتوسط لا يزيد على 7 دولارات في دول أوبك. ويرجح الخبراء أن تنفض دول أوبك يدها من نظام الحصص لترفع إنتاجها بلا حدود لتعويض تراجع الأسعار، مما سيؤدي على المدى الطويل إلى توقف ضخ الاستثمارات في حقول النفط الصخري وعودة الأسعار إلى الارتفاع فوق 90 دولارا للبرميل، وزيادة حصة دول أوبك في الأسواق.
اقتباس :
80 دولارا للبرميل الحاجز الذي اقترب منه سعر سلة خامات أوبك وهو قريب من السعر المعتمد في موازنات الدول الخليجية
الآثار والتحديات
ويبدو أن العراق سيكون من أشد المتضررين في ظل تراجع صادراته بسبب توقف الإمدادات من حقول كركوك واتساع فاتورة الحرب التي يقودها ضد تنظيم “داعش” الذي يسيطر على مساحات واسعة من البلاد. ومن المرجح أن يتضاعف عجز الموازنة في العام الحالي ليزيد على 50 مليار دولار. كما ستكون الجزائر من أشد المتضررين في ظل محاولاتها لتهدئة الاحتقان الاجتماعي والسياسي وتراجع إنتاجها وعوائدها حتى قبل تراجع الأسعار. ويؤكد المسؤولون الخليجيون أنهم غير منزعجين من انخفاض أسعار النفط بأكثر من 28 بالمئة عما كانت عليه منتصف يونيو الماضي. لكن المحللين يرجحون أن تتغير الصورة إذا تواصل تراجع الأسعار، خاصة في ظل توقعات بزيادة إنتاج الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم خلال الشهر الجاري. ولا تزال الآثار السلبية على دول الخليج محدودة حتى الآن لأنها بنت موازناتها على سعر لا يزيد على 75 مليارا للبرميل، لكن تراجع الأسعار سيتلهم معظم الفائض الذي تتوقعه في موازناتها. ومن المرجح أن تقترب موازنات تلك الدول من حدود تسجيل العجز إذا تواصل انخفاض الأسعار لتلجأ بعدها إلى استخدام الفوائض المالية الكبيرة التي راكمتها خلال الأعوام الماضية. وقد ينتج عن عجز موازنات الدول النفطية تسريع برامج رفع الدعم عن أسعار الطاقة والسلع الأساسية، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم. وتتوقع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) أن يبلغ التضخم في المنطقة العربية خلال العام الحالي نحو 6.1 بالمئة، ولكن حال تطبيق برامج لتخفيف أو إلغاء الدعم في منطقة الخليج فسيقفز التضخم عن هذه المعدلات.
إيجابيات محدودة
ويمكن أن تجني الدول العربية المستهلكة للنفط مثل مصر والمغرب وتونس ولبنان والمغرب بعض المكاسب من تراجع فاتورة الطاقة الثقيلة، لكنها ستتأثر سلبا من التداعيات الأخرى. ومن المرجح أن يكون تأثير تراجع أسعار النفط على مواطني تلك الدول محدودا في وقت تسارع فيه حكوماتها لخفض الدعم وإلغائه منذ سنوات. وتخشى تلك الدول من أن يمتد تأثير ذلك إلى خفض برامج المساعدات السخية التي رصدتها دول الخليج لمساعدة الدول التي تمر بمرحلة انتقالية. وقد تتأثر تلك الدول سلبا، بسبب تراجع استثمارات الدول العربية النفطية، مما يوجه ضربة شديدة إلى مشاريع التنمية الاقتصادية. كما سيؤدي تراجع المشاريع السخية التي رصدتها دول الخليج لتطوير البنية التحتية، إلى انخفاض الطلب على الأيدي العاملة، خاصة من الدول العربية المصدرة للعمالة، ويؤثر بالنتيجة على تدفقات تحويلات عمالها المهاجرين.
شبح العجزيقترب من موازنات الدول العربية المنتجة للنفط