مسرح اللامعقول.. اخيراً تمثال لعبد الكريم قاسم في بغداد
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61346مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: مسرح اللامعقول.. اخيراً تمثال لعبد الكريم قاسم في بغداد الخميس 15 يوليو 2010 - 3:37
مسرح اللامعقول.. اخيراً تمثال لعبد الكريم قاسم في بغداد أحمد منصور
7/15/2010
رمح ثورة 1958 في بلاد الرافدين مقتلع جبروت النفوذ البريطاني وعميله النظام الملكيّ المجسّد بثعلبه المعمر نوري السعيد ومحطم سلاسل حلف بغداد ربيب الحلف الأطلنطي. عبد الكريم قاسم ابن العراق البار الذي ما كان له حزب سوى إيمانهِ بوطنهِ وجيشهِ وشعبهِ ... إنّـهُ المتصّوف في حُبّ العراق، الذي منعوه عنهُ بعد أن انتزعوا السيوف والنجوم التي كانت قد تربّعت بكبرٍ على كتفيهِ، فدرزتهُ رشاشات الانكشاريّة الجديدة الكاسرة المزمجرة باسم القومية والوحدة اللتين قضت عليهما عن وعي أو لاوعي وعلى الأرجح إلى الأبد. عبد الكريم قاسم الفروسيّة التي أرادوها عبوديّة لليانكيّ فأمروها التوجّه إلى بيروت للدفاع عن الرئيس كميل شمعون مدلّل أمريكا الذهبي، بعد أن وَشَمَ طلعته مَكراً بفتى العروبة الأغر فعرّجَ إلى بغداد في فجر 14 تموز/يوليو المجيد واقتلع آمريه. عبد الكريم قاسم عاش أعزب وحيداً ومات أعزب وحيداً مؤثراً زواجهُ بوطنيتهِ العراقية بجناحيها العربي والكردي... إنَّ تبني عبد الكريم قاسم لجميع أبناء العراق جَعَلَهُ ينام نهاراً في وزارة الدّفاع ويتفقد في الليل شؤون البلد بنفسهِ، رفيقهُ سائقهُ ونصف بيتهِ سيارته العسكرية. متنكراً يسير في الأحياء الفقيرة والعشوائية ليلاً ليصحو أبناؤها على أصوات الجرّافات تجرفها ليُشاهدوا مكانها الأحياء العصريّة المريحةَ الباسمة... عبد الكريم قاسم المتدروش في الظلام يرى من بعيد شباناً يفترشون الرصيف فيستوقف سيارته مستغرباً سائلاً عن أسباب وجودهم على هامش الطريق في مثل هذا الوقت، فيجيبونه أنهم طلاب دار معلمين من البصرة جاؤوا إلى بغداد ليتقدموا إلى امتحاناتهم غداً فيسأل سائقهُ المال فيتبين أنّ مع أحدهما ديناراً واحداً فقط. فيقول لهم انتظروا حتى الصّباح وسنرى كيف نرتب الأمور وهكذا كان .. عبد الكريم قاسم ارادوا استيطاءهُ وامتطاءهُ من رفاق قيادة الثورة إلى أصحاب الأحزاب لا ليحكموا بل ليرِثوه وليمنعوا عنهُ الحكم في بلدٍ كل رأس فيه يريد أن يكون رأساً بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة فانقضوا عليه في الموصل بانتفاضة الشّواف وأصابوه برصاص الاغتيال الأول الذي ما أصاب مقتلاً فيه إلاّ أنهم تمكّنوا منهُ برصاص الاغتيال الثاني من على قطارٍ أمريكيّ. لم يكن كما نعتَتهُ (الغوغاء على اشكالها وألوانها لأخصامهِ وسواهم) الزعيم الأوحد والأوحش.. بل كان الأحسن والأحمد إلاّ أن سوء طالعهُ شاء أن يكون في وجه عبد الناصر الكاسح الذي لا يرضى بمنافسٍ له في السّاحة... ولذلك أصّر 'أولاد الحلال' ألاّ يدعوه يجتمع بهِ لأنّ اجتماعهما سيمنع فرص الاصطياد في المياه العكرة على الكثيرين منهم وما أكثرهم. ولو كان اللقاء لكان لقاء الشرفاء بالشرفاء الذين كان يبحث عنهم عبد الناصر بالسراج والفتيلة من دون جدوى. وللتاريخ علينا أن لا ننسى أن دمشق وبغداد كانتا إذا اتفقتا لا يعمّر اتفاقهما أكثر من اربع وعشرين أو ثمان وأربعين ساعة غالباً، فكيف إذن إذا ما اتفقت مدينة المنصور مع مدينة المُعزّ؟ إنّ من لا يريدون الحرية لسواهم لن يكونوا إطلاقاً من الأحرار. لقد خافوا من هذا القائد الشهيد حتى بعدَ موتهِ فأحرقوا عظامهُ خشيةَ أنْ يكون قبرهُ بركان قيامة الأجيال الثائرة الزّاحفة نحو الشمس. لقد قال مَنْ أطلق النار من بعث العبث في حانة وهو يهدر في سكره ِ وعربدتهِ:'آني قتلت أشرف سياسي عربي في العراق' وقد كان على حق رحم الله الشهيد وأحرق القاتل. من المثير للسخرية أنّ النظام الذي غَرَزهُ بوش وأصحابه على ركام بغداد وأرواحها هو الذي رفع لعبد الكريم قاسم تمثالاً في ساحةٍ من ساحات بغداد، الله الله يا زمن العجائب والغرائب. إنهُ هو ذاتهُ الذي سمح لمن شاؤوه حليفاً يوماً بشنقهِ فكافؤوهُ بحفظ عظامهِ في قبـرٍ غدا مزاراً، إنهُ مسرح اللامعقول بالطبّع لأننا في الشرق التعيس. يكفي عبد الكريم قاسم فخراً أنهُ لم يسرق ولم يهرّب أموال العراق النفطية إلى صناديق اللصوص في أوروبا وأمريكا وسواهم ولم يسخّر السلطة لإشباع الغرائز الصحراوية التي لا تشبع. عبد الكريم قاسم الرافد الثالث الذي أراد جمع الماء والسّماء والغبراء لتوحيد العراق لا لتقسيمهِ وقد كان بامتياز شهيد الأنظمة والأمم التي آلهتها مصالحها ومصالحها فحسب.
' كاتب لبناني
مسرح اللامعقول.. اخيراً تمثال لعبد الكريم قاسم في بغداد