الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 10384تاريخ التسجيل : 07/10/2009
موضوع: الخبز الموصلّي : وسيم الشريف السبت 21 مارس 2015 - 0:41
[size=32]الخبز الموصلّي [/size]وسيم الشريف
اعتمدت العائلة الموصلّية من قديم الزمان على الخبز في غذائها وكعنصر أساسي في وجباتها اليومية. فكان الخبز يُصنع من طحين الحنطة وطحين الشعير باعتبارهما المحصولين الرئيسيين اللذين كانا يزرعان في السهول المحيطة بالمدينة منذ القدم.ـ
كان الخبز الموصلّي يتنوع بتنوّع صنّاعه فكان منه :ـ
ـ الخبز القرص (القغص) وهو ما يخبز على هيئة أقراص سميكة يصل سمكها الى 1,5 سم ويرصّع وجه القرص بواسطة أصابع اليد عدا الإبهامين ، أو تستخدم السكين لتشكيل هياكل معينية متعددة ويدهن وجه القرص بالبيض ثم يخبز بالتنور. ويستخدم الشوبك لفتح العجينة وتشكيلها.ـ
ـ خبز المطل وهو ما يخبز على شكل ارغفة يصل قطرها إلى 30 سم وسمها حوال 3 –5 ملم ويرصع قليا بالأصابع ويخبز بالتنور. وتستخدم اليد في عملية الفتح والتشكيل.ـ
ـ خبز البغيشين وهو ما يخبز على شاكلة خبز المطل إلا أنه بقطر أصغر يصل إلى 15 سم ويكون سمكه أسمك بقليل من سمك خبز المطل ويدهن وجهه بالبيض ويذر عليه السمسم او حبة السوداء ويخبز بالتنور.ـ
ـ خبز الصاج وهو ما يخبز على شكل قرص يصل قطره إلى 30 – 40 سم وسمكها 3- 4 ملم. ويستخدم الشوبك في فتح العجينة ويخبز على الصاج.ـ
خبز الصاج
ـ خبز الرقاق (القاق) وهو ما يخبز على شكل ارغفة رقيقة يصل قطرها إلى 70 سم وسمكها إلى مليمتر واحد وتفتح العجينة باستخدام الشوبك والنشاب ويخبز على صاج يوقد تحته. ويصف في سلة مفتوحة تسمى الطبيقيِّ وقد يطوى الرغيف على بعضه فيشكل ربع دائرة ويحفظ ليستعمل في وقت متأخر.ـ
اخذت نسوة العوائل الموصلّية منذ القدم بإعداد الخبز بأنواعه الأربعة الأول واستقدمت نساء مختصات بخبز النوع الأخير من انواع الخبز الموصلّي. وقد اشتهرت النساء الكرديات بامتهان هذه المهنة إضافة لقيامهن بإعداد البقلاوة (شد البقلاوة)[1].ـ عندما نتكلم عن الخبز فلابد من التكلم عن الطحين. فالموصلّيون كانوا يحتفظون بقوتهم لمدة سنة كاملة في مخازن معدة لهذا الأمر في بيوتهم وهي إحدى المكونات التي يطلقون عليها (الموني)[2]. والحنطة هي إحدى الفقرات الأساسية للموني والتي كانت تشترى بالطغار[3].ـ تجتمع عدة اسر متقاربة (كأخوات الأم أو أخوات الأب)[4] ويتم غسل الحنطة وتنظيفها من الشوائب كالزيوان وغيره وتنقل إلى سطح الدار وتفرش لتجف وتقلب بين فترة وأخرى حتى اكتمال جفافها وتلّقى من الشوائب مرة أخرى، ثم تنقل لتعبأ بالبراميل المعدنية[5]. وحينما يحين موعد استعمالها فإنها تُخرج من مخازنها وتطحن يدويا بواسطة الجاروش المنزلي أو ترسل إلى المطحنة وعندها تقاس الكمية المرسلة بما كان يطلق عليه الوزني[6].ـ بعد طحن الحنطة ينخل الطحين باستخدام المنخل وهو إطار دائري خشبي مغلق من إحدى نهايتيه باستخدام قماش ناعم. وبه نوعان الأول هو منخل ويكون حجم فتحات القماش فيه أوسع والثاني الشالوبي وتكون فتحات قماشه انعم. يستخدم الأول للحصول على طحين الخبز (درجة أولى) والثاني يستخدم للحصول على طحين أبيض (صفر) ويستخدم للمعجنات.ـ يُعد عجين الخبز باستخدام الطحين المحضر والماء الفاتر وقليلا من الملح وخميرة الخبز. ويتم عجن العجين في طشت من الصفغ[7] ثم يغطى بما متوفر من اغطية ويترك ليختمر وينتفش. وعند اختمار العجين يقطع على شكل كرات متساوية الحجوم ويستخدم الدهن للتقطيع وتصف كرات العجين في صينية وتغطى بقطعة قماش لتستريح قبل فتحها وخبزها. كما ويتم تهيئة بيضة او بيضتان مخفوقتان بيسر لغرض دهن أوجه الأرغفة (القْغَص)[8].ـ
مستلزمات الخَبز
لإعداد الخُبز في الدور فإن الأمر يكون بحاجة الى عدة مستلزمات وهي :ـ
ـ1. التنوغ (التنور)[9] وهو بناء طيني على شكل نصف كرة تقريبا يميل بإتجاه واحد وله فتحتان: الأولى في اعلاه تقريبا وتكون بقطر واسع تقريبا (40 سم ) وأخرى قريبا من أسفله وبقطر 15 سم. تستخدم الأولى لإدخال قرص الخبز والثانية للتنفيس وتقليب الوقود.ـ تتخصص بعض العوائل بإنتاج تنور الخبز ويصنع من الطين الحر مخلوطا به التبن المقطع كمادة للتسليح. تنتشر صناعته في منطقة التنانير وهي قريبة من الميدان ويسمى العاملون في هذه الصناعة بالكوازين. سميّت منطقته بالكويزين وهي من المناطق القديمة في الموصل، وبها أقيم اول جامع في المدينة وهو جامع الأموي (الجامع المصفي).ـ
______________________________ ـ[1] سناتي على ذلك في موضوع آخر ـ [2] الموني بمعنى المونة وهي ما أخذت من مصطلح المؤنة ـ[3] والطغار هو وحدة قياس الحنطة والحبوب ويساوي 20 تنكة وهي الوزنة (وزني)ـ ـ[4] وقد يكون معهم الكنيّن (زوجات الأبناء)ـ ـ[5] وهي براميل تنك تصنع بأغطية وتكون بأحجام مختلفة ـ[6] الوزني هي وحدة القياس المتاحة في البيوت الموصلية وهي بقدر تنكة الدهن التي تسع لـ 16 لتر من الدهن السائل ـ[7] النحاس وهو ما كان سائدا إلى وقت ظهور الفافون في بداية النصف الثاني من الستينيات ثم البلاستك منتصف السبعينيات ـ[8] بسكون القاف وفتح الغين. هكذا يلفظها الموصلّيون ـ[9] عند بناء التنوغ لأول مرة في المنزل يترك حتى يجف ومن ثم يسجر باستخدام الحطب حتى يحمر لونه فيتم فخره وتصلب مادة بنائه. ثم قبل البدء باستخدامه للخبز يتم سجره بانواع الوقود المعتاد ثم يستخدم.ـ
ـ 2. وقود التنوغ : ويتشكل وقود التوغ من أحد هذه الأنواع التالية:ـ ـ الحطب : وهو اعواد تجمع من النباتات البرية او اغصان الأشجار الناعمة ويتخصص بجمعها اناس يطلق عليهم الحطّابون وهم من سكنة ريف المدينة او ممن يسكن في أطرافها ويباع في الأسواق على ظهر الحمير. وتقوم الأسر الموصلية بتخزين الحطب حاله حال الموني ولكن بكميات تكفي لعدة أشهر فقط.ـ ـ البعغوغ (البعرور) : وهو فضلات الأغنام التي تجمع من مرابط الغنم وتيّبس وتجمع وتعبأ في كواني ثم تباع في الأسواق على ظهور الحمير. ويمتهن هذه المهنة عرب البادية ومربي الأغنام.ـ ـ الجلّي : وهي فضلات البقر والجاموس. وتجمع من حظائر تربية الأبقار أو بجمعها من البقر في المراعي حيث توكل هذه المهمة بصغار عرب الخيام. تشّكل على شكل أقراص وتترك لتجف وتباع على ظهور الحمير.ـ ـ 3. الماثوغ : وهو قضيب حديدي أملس معقوفة أحدى نهايتيه وفي النهاية الثانية تثبت قبضة خشبية اسطوانية بطول 30 – 40 سم ويستخدم لتقليب الحطب وإذكاء النار في التنوغ.ـ ـ 4. السطام : وهو قضيب معدني نهايته عريضة ويستخدم لشلع الأرغفة الملتصقة أو بقايا الخبر المحترق. ويكون بطول 40 سم تقريبا.ـ ـ 5. الماشة : وهي ملقط حديدي برأسين يستخدم لالتقاط الخبز من التنور.ـ ـ 6. الشوبك : وهو قطعة خشبية اسطوانية الشكل مستدقة الأطراف تستخدم لفتح عجينة الرغيف (الشنكة) ويستخدم في إعداد خبز القغص.ـ
ـ7. الفغشي: وهي قطعة من الرخام الموصلي تستخدم كسطح يفتح عليها العجين ويشكّل على هيئته.ـ ـ 8. الملزقة : وهي قطعة من الخشب دائرية الشكل في أسفلها قطعة خشب ناتئة تستخدم كمقبض لها ويغطى الوجه الثني بعدة طبقات من القماش المستعمل ليشكل سطحا محدبا قليلا. وتستخدما للزق الخبز في التنوغ. حيث توضع عليها قطعة العجين بحيث يكون وجه الرغيف على الملزقة وظهره بارز ويلصق بالتنور الحار.ـ
ـ 9. الطبيقيّ : وهي سلة الخبز التي يوضع عليها الخبز حال خروجه من التنوغ.ـ
أما عندما يتم إعداد خبز الصاج فلا يتم استخدام التنوغ لهذا الغرض إنما يستخدم الصاج والدفيي. والصاج هو قطعة معدنية محدودبة الشكل بقطر 40-50 سم وتوضع على جزء طيني او معدني بارتفاع 30 سم تقريبا.
تستخدم الدفيي لإحتواء الحطب أو البعغوغ وتقلب النار بواسطة السطام. أما الصاج فيوضع على الدفيي والجزء المحدودب للأعلى. ويتم فرش العجين باستخدام الشوبك على الفغشي ويفرش الرغيف على الصاج الحار وباستخدام الشوبك يتم احكام تلاصف العجين مع سطح الصاج لتحقيق نضج الرغيف. يقلب الرغيف مرة أو مرتان لغرض التأكد من نضج الرغيف. ثم يرفع من على الصاج ويوضع في الطبيقيي.ـ
وعند انتاج خبز القاق (اغقاق) يتم تقطيع العجين وفتحه على القصعة[10]باستخدام النشابي[11]. ويفتح باستعمال الطحين. ويلف الرغيف المعد عليها عدة مرات لإكسابه الرقة. ثم ينقل الرغيف وهو ملتف عليها بعد اكتسابه للسمك المطلوب إلى الصاج ويوضع عليه بهدوء مع التدوير.
عند اعداد خبز القاق يستخدم صاج كبير الحجم بقطر 1- 1,2 متر وكذلك الدفيي وكان في السابق يستخدم وقود الحطب للنار وعند اكتشاف الوقود السائل بدا يستخدم النفط البيض بنظام الضخ بالضغط ومن ثم تم الانتقال إلى وقود الغاز في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.
يدخل الخبز في وجبات كثيرة من وجبات الأسرة الموصلّية بأشكاله المتنوعة، وقد تسيّد الثريد (التشريب أو الفغيد) الموائد الموصلّية واعتبر سيد الأكلات لما يجتمع معه من اللحم ولذيذ الطعام بأشكاله وأنواعه. كما ان تناول الخبز مع الطعام في جميع الوجبات أعتبر من مقومات المائدة الموصلّية فلا نكاد نجد مائدة في أي بيت من بيوت الموصل إلا وكان الخبز حاضرا عليها وخصوصا في مائدة الإفطار الصباحي. كما ان بعض الأكلات لا تؤكل بدون الخبز كوجبات المشويات ومعظم المقليات __________________________________________ ـ [10] القصعة إناء خشبي نهايته العليا والتي توضع على الأرض تكون بقطر أكبر من أسفله والذي سيوضع على ظهره العجين. حيث تستخدم القصعة بشكل مقلوب.ـ ـ [11] النشابي (أو النشابة) وهي عصا من خشب مصقولة القوام وبطول 1 متر تقريبا وبقكر 1 سم تقريبا وتستخدم لفتح العجين وعمل رقائق البقلاوة وخبز القاق. استعمالها يتطلب مهارة خاصة