[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بالرغم من مضي نحو أربعة أشهر منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في العراق في أواخر مارس الماضي، لا تزال أزمة تحديد الكتلة السياسية التي ستتولى تشكيل الحكومة الجديدة قائمة. ووفقًا لدستور البلاد فإن مرشح الكتلة الأكبر عددًا يكون هو المسئول عن تشكيل مجلس الوزراء.
وقد صرح مؤخرًا متحدث باسم "على السيستاني"- المرجع الديني الشيعي الأعلى بالعراق- أنه في حال استمرت حالة الجمود السياسي التي تشهدها البلاد حاليًا، فإن المرجعية الدينية قد تتدخل "للمساعدة والنصح والمشورة".
وكانت "القائمة العراقية" بزعامة رئيس الوزراء السابق "إياد علاوي" قد حصدت 91 مقعدًا من إجمالي عدد مقاعد البرلمان- 325 مقعدًا- بينما لم تحصد قائمة "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته "نوري المالكي" إلا 89 مقعدًا فقط ؛الأمر الذي دفعه لتشكيل تحالف مع "الائتلاف الوطني العراقي" بزعامة "عمار الحكيم" لضمان كتلة برلمانية أكبر، إلا أن المحادثات لا تزال متعثرة.
وقد نشرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية منذ أيام تقريرًا لـ " باباك ديغانبيشه"، مدير مكتب المجلة في بغداد، تحت عنوان "هل المرجعية الدينية على استعداد للتدخل؟" وجاء فيه:
إذا لم يتمكن السياسيون في العراق من تنسيق العمل بينهم، فهل قد حان الوقت للمرجعية الدينية أن تتدخل؟ فعقب انتخابات برلمانية غير حاسمة في مارس لم يحقق أي طرف فيها أغلبية واضحة، تعثرت الجهود الساعية لتشكيل حكومة وتعيين رئيس للوزراء. وفي منتصف شهر يونيو الماضي، أعلن متحدث بارز باسم "آية الله علي السيستاني"- رجل الدين الشيعي الأكثر توقيرًا في البلاد- أنه في حالة لم يتم تشكيل الحكومة في وقت قريب، فإن الأمر قد يتطلب "تدخلاً من جانب السلطة"؛ والسلطة هي السيستاني نفسه. ولقد كان هناك بالفعل العديد من التكهنات بأن السيستاني إيراني المولد قد لعب دورًا رئيسيًا في تشكيل كتلة شيعية ضخمة- تمثل اندماجًا بين "الائتلاف الوطني العراقي" وائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء "نوري المالكي"- كان من شأنها تقويض قوة الكتلة التي يتزعمها "إياد علاوي" بدعم من السنة. وذكرت وكالة "أسوشيتيد برس" أن الكتلتين وقعتا كذلك وثيقة تمنح السيستاني السلطة النهائية لحسم الخلافات بينهما. إلا أن ممثلي السيستاني أنكروا حدوث مثل ذلك الأمر. ولا يزال السياسيون العراقيون يدركون مدى التأثير الذي يملكه رجل الدين كبير السن (السيستاني): فقد توافد إلى مدينة النجف ممثلون رفيعو المستوى عن كل كتلة انتخابية للاجتماع معه منذ الانتخابات. ومثل هذا الإظهار الواضح للتبجيل لا يروق لبعض المواطنين العراقيين العاديين، حيث يقول "سلام مسعودي"، ويعمل بائعًا للهواتف الخلوية في بغداد ويبلغ من العمر 29 عامًا، أن: "إذا كان للمرجع الديني الكلمة الأخيرة، يمكننا عندئذٍ أن نقول وداعًا للديموقراطية في العراق". والقلق يأتي من أن البلد يتخذ حاليًا منحى يبتعد به عن كونه نظام سياسي علماني ويقترب نحو النظام الديني مثل ذلك القائم في دولة إيران المجاورة؛ حيث يملك رجال الدين والهيئات الدينية القول الفصل في كافة شئون الدولة. لكن بالطبع لا تزال هناك اختلافات رئيسية حيث أن: كبار رجال الدين، أو ما يطلق عليهم "المرجعية"، في النجف يتبعون في الغالب المدرسة الأكثر صمتًا في الفكر الشيعي، والتي تدعو رجال الدين للبقاء بعيدًا عن السياسة. والسيستاني- الذي في استطاعته بسهولة حشد الملايين من أنصاره للخروج إلى الشوارع- على الأغلب قد ناور بمهارة للبقاء بعيدًا عن العراك السياسي. بل وفي الواقع، كانت المرة الوحيدة التي أعرب فيها بصورة علنية عن رأي سياسي له عندما دعا إلى إجراء تصويت مباشر لانتخاب حكومة انتقالية للبلاد عام 2003. بالرغم من ذلك، فإن الدور الذي يشتبه قيام السيستاني به في دمج الأحزاب الشيعية قد دفع البعض إلى التساؤل حول ما إذا كان السيستاني على استعداد لاتخاذ موقف أكثر مباشرة في توجيه الوضع السياسي للبلاد أم لا؟! وحتى بعض السياسيين غير الشيعة بدأوا كذلك في التساؤل بشأن ما إذا كان ينبغي على السيستاني أن يتدخل في هذه الأزمة أم لا. ويتساءل النائب البرلماني الكردي "محمود عثمان" قائلاً: "إذا كانت تلك الكتل نفسها لا تستطيع إيجاد حل لتلك الأزمة، فإلى متى ينبغي على الشعب انتظارهم؟" وأضاف عثمان: "إذا زادت الأمور سوءًا، ربما سيكون من الضروري للسيستاني أن يتدخل. وهذا هو المرجح أنه سيحدث." وهو الأمر الذي ربما لن يروق لجميع العراقيين، ولكنه قد يكون في نهاية المطاف المخرج الوحيد من المأزق السياسي.