باريس ـ «القدس العربي»: حينما سارع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى وصف المقترحات الأخيرة المقدمة من اليونان للتوصل إلى اتفاق مع الجهات الدائنة بالجدية وذات مصداقية، فإنه فعل ذلك وهو يسعى إلى تهدئة مخاوف الفرنسيين وقلقهم من تداعيات الهزة المالية المقبلة من أثينا على اقتصاد بلدهم وبالتالي على حياتهم اليومية وقدرتهم الشرائية. وقال الرئيس الفرنسي الذي اتهمته المعارضة اليمينية في بلاده بممارسة دور ضعيف في الأزمة وخضوعه لإملاءات المستشارة الألمانية، إن اليونانيين قد أظهروا تصميما للبقاء في منطقة اليورو بعد أن قدموا برنامجا جادا وله مصداقية وسيقومون بعرضه على البرلمان، مؤكدا أن هذا سيتطلب قوة والتزاما وشجاعة بهدف التوصل إلى اتفاق يراعي الــقـواعد الأوروبية والشعب اليوناني على حد تعبيره. وتضمنت خطة الإصلاحات اليونانية الجديدة التي عرضت أمام البرلمان في أثينا 12 حلا للأزمة، يتمثل في زيادة قيمة الضريبة المُضافة، الغاء الامتيازات الضريبية للجزر، وزيادة ضرائب أخرى، إصلاح نظام التقاعد، خفض النفقات العسكرية، ازالة الضوابط عن بعض النشاطات المهنية، التهرب الضريبي، إصلاح الإدارة، عمليات الخصخصة، أهداف الميزانية، الدين العام، تحفيز الانتعاش الاقتصادي. وسارعت الجمعية العمومية الفرنسية (البرلمان) إلى عقد جلسة استثنائية مخصصة بالكامل لبحث تداعيات الأزمة اليونانية على الاقتصاد الفرنسي بعد النتيجة التي أفرزها استفتاء اليونان الرافضة لشروط الدائنين الدوليين، حيث أصر نواب المعارضة اليمينية ومعهم نواب من الأغلبية الحكومية واليسار الفرنسي على عقدها لمساءلة رئيس الحكومة بشأن السياسة المزمع اتباعها بعد أن ظهر رئيس البلاد – من وجهة نظرهم – بموقف ضعيف أمام ما وصفوها بإملاءات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وتعنتها تجاه مطالب اليونان واستئناف مفاوضات جديدة مع أثينا. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد قامت بزيارة خاطفة إلى قصر الإيليزيه في باريس للاجتماع بالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عشية القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل لمناقشة الأزمة، وهي الزيارة التي استغلتها ميركل لتعلن من باريس أن شروط مفاوضات جديدة مع أثينا لم تنضج بعد، في إشارة إلى مضمون مكالمة هاتفية جمعت الرئيس أولاند برئيس الحكومة اليونانية أليكسيس تسيبراس ساعات قليلة قبل وصول المستشارة الألمانية إلى فرنسا، حيث وعد أولاند مخاطبه اليوناني بالعمل على فتح مفاوضات جديدة على شروط الديون اليونانية تشمل التفاوض على قرض طارئ لأثينا بقيمة ثلاثين مليار يورو قبل نهاية الشهر. ورغم أن جلسة البرلمان الفرنسي الطارئة بخصوص الأزمة اليونانية اكتفت بمسائلة رئيس الحكومة بخصوص توجهات فرنسا العامة تجاه ما يجري ويدور في اليونان وتداعيات احتمال خروجها من منطقة اليورو على الاقتصاد الفرنسي ولم تطرح فيها الخطة الحكومية للتصويت إلا أن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس أعلن من خلالها أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق مع اليونان بخصوص ديونها، فإنه سيعرض الخطة الجديدة التي ستقدمها أثينا بشأن تسوية ديونها، للتصويت في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان). وقال فالس إن إبقاء اليونان في منطقة اليورو مسألة استراتيجية بالنسبة لبلاده ولأوروبا، مؤكدًا أن فرنسا تعارض خروج اليونان من منطقة اليورو، وأنها ترى خروجها «مؤشر ضعف» مؤكدا في الوقت ذاته أن بلاده ستعمل كل ما بوسعها لتمكين اليونان من اتحاذ قرار صائب، وفق تعبيره. وكان رئيس الحكومة الفرنسية يرد في ذلك على مجموعة تصريحات صادرة عن زعماء المعارضة اليمينية في مقدمتهم وزير الخارجية الفرنسي في عهد ساركوزي المخضرم آلان جوبي الذي دعا صراحة إلى مساعدة اليونان على ترتيب خروجها من منطقة اليورو بسلام على حد قوله، وهو رأي تقاسمه معه نواب وقياديون في حزب الرئيس الفرنسي نفسه. وفيما سخر معارضو الرئيس الفرنسي من عدم تعاطي المستشارة الألمانية مع اقتراحه حذف جزء من الديون عن اليونان، سارع خمسة من كبار الاقتصاديين على رأسهم بروفيسور الاقتصاد الفرنسي توماس بيكتي، إلى مكاتبة ميركل مطالبينها بألا تنسى تاريخ ألمانيا مع اليونان، ومذكرين إياها بما حصل في مؤتمر لندن الشهير عام 1953، حين أسقطت أثينا نصف ديونها تقريبا على ألمانيا، وطالبوها بامتلاك الشجاعة واتخاذ القرار نفسه خاصة أن برلين بمعية باريس تعتبران أكبر الدائنين لليونان بحجم ديون بلغت أكثر من 57.23 و 42.98 بليون يورو على التوالي لكل منهما. ويواجه الرئيس الفرنسي معارضة قوية أيضا من اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان التي ما فتئت تدعو إلى خروج فرنسا من منطقة اليورو والعودة إلى العمل بالفرنك الفرنسي ومحاسبة الرئيسين السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرانسوا أولاند على ما أسمته منح أموال دافعي الضرائب في فرنسا وتسليمها إلى دول أوروبية أخرى كاليونان لسداد ديونها معتبرة ذلك خيانة عليا لمصالح فرنسا والشعب الفرنسي. ويحاول الرئيس الفرنسي جاهدا إقناع شركائه الأوروبيين في مقدمتهم المستشارة الألمانية بمنح قرض طارئ لليونان وهو ما فشل فيه حتى الآن، خاصة وأن أثينا تخلفت عن سداد نحو 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي كان يفترض أن تسدد بحلول الـ 30 من شهر حزيران/يونيو المنصرم. وتقول تسريبات الرئاسة الفرنسية أن الرئيس أولاند وخلال مكالمته الهاتفية مع رئيس الحكومة اليونانية اليكس تسيبراس طالبه هذا الأخير بمساعدة في الضغط على المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لتلين من مواقفها المتشددة، فرد عليه الرئيس أولاند قائلا «ساعدني حتى أساعدك» وهو ما يعكس شساعة الخلاف المالي بين برلين وأثينا وصعوبة دور باريس في التوفيق بينهما وتقريب وجهات النظر. ورغم تلميح الرئيس الفرنسي إلى ضرورة تخفيف ديونان من دائنيها كخطوة لابد منها من أجل مساعدة أثينا على البقاء في منطقة اليورو، إلا أن استطلاع رأي أجري في فرنسا كشف أن أكثر من ثمانين في المئة من الفرنسيين يعبرون عن رفضهم لإسقاط بلادهم ديونها المستحقة على اليونان بشكل أحادي خاصة في حال غياب مبادرة مماثلة من قبل ألمانيا. وسارعت الحكومة الفرنسية بعد نتائج الاستطلاع إلى الإعلان على لسان وزير الدولة الفرنسي لشؤون الميزانية كريستيان ايكير ان فرنسا واضحة في رأيها بأن ديونها المستحقة على اليونان لن يتم الغاؤها، مؤكدا ان موقف بلاده واضح بشأن الاعفاء من الديون. وأضاف: «لن يكون هناك أي اعفاء». ويبلغ حجم قروض فرنسا المستحقة على اليونان حوالي 41 مليار يورو (46.58 مليار دولار). وتتركز الخلافات بين المانيا واليونان بشكل خاص على خطط التقشف التي بات يلفظها اليونانيون وعبروا عن ذلك صراحة من خلال نتيجة التصويت على الاستفتاء المثير للجدل، وتشمل بالتحديد خفض الانفاق، والضريبة على القيمة المضافة ومعاشات التقاعد التي تقول اليونان إنها باتت تفوق طاقتها بعد برنامجي انقاذ عقابيين منذ عام 2010 بقيمة 240 مليار أورو. ونظام التقاعد في اليونان من العقبات الرئيسية التي تتعثر عندها المفاوضات مع نطاق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. كما يبدي الدائنون قلقهم من عواقب التدابير الضريبية التي اقترحتها أثينا والتي تستهدف الشركات على خلفية ضعف النمو الاقتصادي. وعجزت أثينا عن سداد المبلغ المذكور لسبب أرجعته إلى ما وصفتها بخزينتها الفارغة، ما سيجعل من الحيوي أن تحصل على 7.2 مليارات يورو من دائنيها – الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي- حتى تتمكن من سداد الدين لصندوق النقد، وتفادي خطر الخروج من منطقة اليورو. وتقول حكومة تسيبراس إنها قدمت حتى الآن عددا كبيرا من التنازلات وطرحت مجموعة متكاملة من المقترحات التي تجمع بين خفض الإنفاق وارتفاع العائدات والإصلاحات البنيوية، وبعض وزرائها لا يستبعدون إجراء مزيد من التعديلات بعد أسبوع على قيام المدخرين اليونانيين بتسريع سحوباتهم المصرفية. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فرنسا تبحث عن حلول سحرية لأزمة اليونان أولاند.. ميركل.. تسيبراس.. صراحة اقتصادية