أكاديميات التعذيب الوطنية والأجنبية في العراق د. مثنى عبدالله
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61339مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: أكاديميات التعذيب الوطنية والأجنبية في العراق د. مثنى عبدالله الثلاثاء 4 أغسطس 2015 - 15:12
أكاديميات التعذيب الوطنية والأجنبية في العراق
د. مثنى عبدالله
August 3, 2015
■ لن تغيب عن ذاكرة سجناء أبو غريب وبوكا ومراكز الاحتجاز في التاجي والمطار والقواعد الأمريكية التي كانت منتشرة في مدن العراق، أي لحظة قضوها تحت سادية تلك العناصر المدربة تدريبا عاليا، على أشنع وأبشع وسائل التعذيب والاذلال والقهر، كما لن تتلاشى من ذاكرة من شاهد صورها عبر الفضائيات وهو بعيد عن الواقعة.
كانت جريمة مكتملة الاوصاف مورست ضد أناس أبرياء، والمفارقة أن من خطط لها وأشرف عليها ونفذها، الديمقراطية وليست الديكتاتورية. قد يكون للديكتاتوريات العذر في تنفيذ عمليات تعذيب وانتهاكات ممنهجة لأنها ديكتاتورية، لكن ما عذر الديمقراطيات والديمقراطيين في ممارسة الأساليب نفسها أو أشد منهـــــا؟ وإذا كان ما مورس ضد العراقيين في تلك الاماكن على يد عناصــــر أجنبية غزت واحتلت البلد، وكانت حريصة كل الحرص على إذلال شعبه والانتقــــام منه، لرفع المعنويات لدى مقاتليها وتوفير أقصى الحماية لهم، فما بال من جاءوا من بعدهم أو تسلموا منــــهم، يمارسون الاساليب نفسها ويستخدمون الادوات نفـسها، على الرغم من صفاتهم وشعاراتهم الاسلامية؟ هنا يبرز سؤال آخر، عما إذا كان التعذيب وسيلة أم أجندة؟ ولأن السؤال على قدر من الأهمية، فإن الاجابة عليه يجب أن تكون مستنبطة من تجربة، ولعل التجربة الاكبر والمستمرة منذ عام 2003 وحتى اليوم، هي تجربة التعذيب الوطني والأجنبي في العراق. كانت هنالك تبريرات كثيرة لعمليات التعذيب التي مارسها الامريكان ضد العراقيين، أشهرها أنها عمليات فردية كما قالوا، وأن من قام بها هم اشخاص دفعهم سلوكهم السادي إلى ذلك الفعل من دون توجيه، على الرغم من أن الكثير من الحقائق والوقائع ناقضت هذا القول، وأكدت أنها عملية مخطط لها ومدروسة بشكل علمي، كي تنتج أثرا نفسيا على الافراد والمجتمع العراقي ككل، ولسنا بصدد مناقشتها الان، لكن ما يهمنا اليوم هو أن ذلك المنهج مازال مستمرا بخبرات عراقية، ومازال الكثير من العراقيين يتلظون بسياطه يوميا في سجون وطنية. ولو أمعنا النظر في أسباب ذلك لوجدنا أن القانون والأجندة السياسية هما عاملان رئيسيان في صناعة هذه الجريمة. فالقانون العراقي ضل طريقه، كما وصفه التقرير الاخير للجنة مناهضة التعذيب التابعة للامم المتحدة، التي انعقدت الاسبوع الماضي في جنيف، بل أن السيد اليسيو بروني عضو اللجنة المذكورة، يشير إلى أن القانون الجنائي العراقي لا يقدم تعريفا ملائما للتعذيب، وهذه طامة كبرى في النصوص القانونية، لأن عدم وجود تعريف يصف الفعل الجرمي وصفا دقيقا، يعطي الفرصة لمرتكبه بالإفلات من العقاب، وهذا ما أشار اليه بروني نفسه عندما قال «لا يمكن إجراء محاكمة مناسبة لمرتكبي هذا الجرم، فكيف يمكن لقاض إدانة شخص بأفعال لا يوجد لها تعريف». وإذا ما أخذنا بالاعتبار قلق المنظمات الدولية والاقليمية المراقبة لحقوق الانسان في العالم، من أن العراق لازالت فيه سجون سرية ومراكز احتجاز تنتزع فيها الاعترافات قبل وصول المتهم إلى المحكمة، وعدم وجود قانون يعوض ضحايا التعذيب، نصبح على يقين تام بأن ممارسات التعذيب باتت محمية بالقانون نفسه، وأنها تمارس من قبل من يمثلون القانون حتى لو لم يكونوا قضاة، لأن الشرطي ورجل الأمن كليهما في عرف القانون هما وسائل تنفيذ وبسط القوانين. لكن الاكثر غرابة في هذا البلد هو أن القانون منح أو تخلى عن الكثير من صلاحياته إلى ميليشيات وعناصر حزبية، باتت لها سلطاتها الواسعة وإجراءاتها التي تتقاطع حتى مع كل القوانين والاعراف السماوية والوضعية. فمن الذي أعطى صلاحيات القصاص من المتهمين في الشوارع والساحات العامة؟ ومن الذي سمح بإقامة الحد على الناس بتعليقهم على جذوع النخيل والجدران أو حرقهم، كما حصل في المناطق التي دخلتها الميليشيات، بعد انسحاب عناصر «تنظيم الدولة» منها؟ نعم هو القانون الذي سمح بذلك، بعد أن دب الوهن والضعف والفساد في اوصاله، وبات وسيلة من وسائل الترهيب التي تمارس يوميا في العراق، وعاملا فاعلا في صناعة جرائم التعذيب. أما الاجندات السياسية فهي أحد عوامل صنع جريمة التعذيب، حيث تبارى الجميع في صنع الميليشيات والأجنحة العسكرية، وبات لكل منهم سجونا سرية ومحاكم يسمونها شرعية، تصدر قراراتها بخطف الناس ومصادرة أموالهم وتعذيبهم، بقصد انتزاع اعترافات تعزز الاثر الفعلي لهذا الحزب أو تلك الكتلة في الساحة السياسية، وكلما كان الحزب أو الكتلة، قادرا على بث الرعب في صفوف المواطنين، ضمن مستقبله السياسي وصار صوته أعلى في انتزاع المناصب والمكاسب، على اعتبار أنه هو القادر على مسك زمام السلطة، مما ادى إلى أن يكون الرعب في مفهومهم السياسي هو أحد اقوى آليات إدارة البلد، بما يجعل المواطن لا يعرف متى وبماذا سوف يصطدم، وهي آلية تضمن إعادة بناء الجوانب النفسية للتحكم بالوعي الجماهيري بكل المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية، للمحافظة على النظام السياسي القائم، وبالتالي إبقاء المواطنين في حالة شعور دائم بأن فوقهم ميليشيات لا يستطيعون التاثير عليها بأي شكل من الاشكال، بينما هي تتحكم في مصائرهم من دون رقيب. لذلك اكتسبت الميليشيات اليوم في العراق طابعا خفيا لا عقلانيا. إننا اليوم في العراق نواجه ازمة خطيرة، وهي تخلي القانون عن سلطاته، يقابله اكتساب لهذه السلطات من قبل منظمات هي في القانون الدولي خارجة عن القانون، كما أن لها قوانينها الخاصة بها التي تجرم بها الاخرين وفق رؤية انتقامية قائمة على أسس طائفية. وأذا كان الشعب العراقي كغيره من شعوب الكون يبحث عن العدالة وبناء مجتمع يسوده العدل والانصاف وإحقاق الحقوق، وأن سلطاته تسعى إلى بناء مجتمع عدالته التعذيب والاقصاء والتهجير والقتل، فإن عدالة المعذبين والمضطهدين ستكون العنف، أي كلما ازداد الظلم والتعذيب وميل السلطات السياسية واذرعها الميليشياوية نحو اللاعدالة، كان رد الفعل من طرف المضطهدين والمعذبين والمحرومين أكثر عنفا، لأن الدولة بكافة اجهزتها الشرطية والعسكرية والامنية تفقد معنى وجودها في أنفسهم، لأن اصل وجودها قانوني ويذوب مبرر الوجود هذا عندما تصبح وسيلة عنف بيد أطراف غير قانونية. وإذا كانت أكاديميات التعذيب الامريكية في أبو غريب وبوكا قد خرّجت الكثير من قادة وعناصر تنظيم الدولة، فإن أكاديميات التعذيب الوطنية في العراق سارت على النهج نفسه، ولم تتعظ من تلك التجربة القاسية، التي حولت الكثير من الابرياء إلى اختصاصيين في العنف والدمار، لذلك لابد أن يعي من هم في السلطة من أن إحراق المتهمين، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وتعليقهم على جذوع الاشجار والتمثيل بجثثهم، من دون عرضهم على قضاء عادل، لن يجلب للعراق والعراقيين سوى الدمار والخراب، لانه سيعطي شعورا للناس بانهم فقدوا كل شيء ولم يبق لديهم ما يخافون فقدانه. إن اسوأ شعور يمر به الانسان هو شعور الانتقام، لانه وحده الذي يستطيع أن يأخذ العقل، وقديما قالت العرب «إذا جن قومك، عقلك ما يفيدك».
٭ باحث سياسي عراقي
أكاديميات التعذيب الوطنية والأجنبية في العراق د. مثنى عبدالله