حرق الرضيع علي الدوابشة وعائلته: شهود عيان يروون لـ«القدس العربي» تفاصيل مروعة للجريمة البشعة
وجدان الربيعي
August 8, 2015
لندن ـ «القدس العربي»: شعب يواجه بشاعة الاحتلال، وعالم عاجز عن وقف الانتهاكات. اعتداءات ليست جديدة بحق الفلسطينيين لكنها الأسوأ والأبشع. شعب يدفع ثمن إصراره على البقاء والصمود في وطن محتل تنتشر فيه المستوطنات كالأخطبوط، والمتشددون المتطرفون الذين لا يحملون إلا الكراهية لأصحاب الأرض الأصليين يساندهم جيش الإحتلال.
اعتداءات المستوطنين تجاوزت كل الحدود فلا رادع ولا معاقب. يهددون ويخطفون الأطفال ويحرقون المساجد ويقتلعون الأشجار ويلفقون التهم لتعج السجون بأطفال أبرياء تتم معاقبتهم بكل أشكال التعذيب النفسي والجسدي. الحرق سلاحهم الجديد، يتوقعون أن يترك الفلسطيني أرضه لكنهم لا يعلمون انه راسخ كشجرة الزيتون. ليس حرق عائلة دوابشة واستشهاد الطفل علي (عام ونصف) في هجوم وحشي عنصري اهتز له ضمير العالم سوى حلقة من هذا المسلسل الطويل، ولكنه أيضا خطوة أقرب إلى الحرية والاستقلال ولو بعد حين. «القدس العربي» تحدثت عبر الهاتف مع أقارب وجيران عائلة دوابشة، كان بعضهم شاهد عيان على هذه الجريمة البشعة.
لم أستطع الصراخ
الجار محمد ابراهيم وهو أيضا أحد أقارب الجريح سعد الدوابشة الذي استشهد متأثرا بجراحه (والد الشهيد علي) حاول مع ابنه ابراهيم إنقاذ العائلة. يروي ما حدث قائلا: ليلة الجمعة الساعة الثانية وعشر دقائق استيقظت على ابني ابراهيم (22 سنة) يدق على باب غرفتي ويصرخ ويقول:»أبي الحقني سأذهب لدار سعد يبدو أن مستوطنين هجموا عليهم، سأذهب قبلك». خرج ابني متجها لبيت سعد الذي يبعد عنا 45 مترا. وجد النيران تشتعل في جسد سعد وزوجته ريهام، وكان هناك شخصان يقفان فوقهما وهما ملثمان ولم يظهر منهما سوى العيون والفم وفي يديهما كفوف سوداء اللون. ولم يهربا بعد جريمتهما البشعة بل وقفا يراقبان ليتأكدا ان سعد وزوجته فارقا الحياة.
ويستطرد: «تسمرت في مكاني، لم أعرف ماذا أفعل كدت أموت وانا واقف. لم استطع الصراخ ولا الكلام، انتبها لي وقاما بالجري تجاهي، بدأت أصرخ أخي بشار الحقني حرقوا بيت سعد ويريدون حرقي».
ويضيف: وبعدها هربا وعاد ابراهيم لإنقاذ عائلة الدوابشة. حاول إطفاء النار المشتعلة بيديه من جسم سعد لم يتبق عليه إلا بقايا ملابس. وقال ابني ابراهيم: «حاولت حمله وساعدني هو في ذلك وابعدته عن النار وقال لي اذهب انقذ زوجتي ريهام. كانت تشتعل فيها النار وهي في شبه غيبوبة. أبعدت ملابسها التي تشتعل واستعملت قميصي لإطفاء النار. وغطيتها بملابسي لاستر جسدها وتوجهت بها إلى بيتنا، وهي تنادي ابني، اين ابني قلت لها ابنك بخير لا تقلقي».
ويستطرد: التقيت بأبني واخذت ريهام منه وهي تقول أشهد ان لا اله إلا الله. لم اتحمل ما رأيت، عمري 51 سنة، صدمت عندما رأيت منظرها وجدت آثار ضرب وحروق. أنا اشك انهما ضربا وتعرضا للعنف قبل ان يحرقا. أوصلتها لبيتي وسلمتها لزوجتي وطلبت منها أن تعطي ريهام ملابس، فقالت لي لا استطيع لان جسدها «سايح» كانت قطع اللحم والدم تتساقط منها.
كان سعد يبحث عن زوجته ويتألم من شدة الوجع سألته ماذا حدث فروى لي ما حدث وقال: «كسروا زجاج الشباك والقوا مواد حارقة واشتعل البيت. ابني الصغير علي نائم في غرفة النوم جنب التخت على الأرض اذهب واحضره لي». ذهبت فوجدت ابني يحمل الطفل الكبير احمد (4 سنوات) ويأخذه لجارة لنا. حاولنا انا وابني اطفاء النار لإخراج علي لم نستطع لان النيران اشتدت وبدأت تخرج من الشباك والباب. حاولنا الدخول لكننا لم نستطع بسبب انفجار كبير وقع داخل البيت. فعدنا وعرفنا وقتها ان الرضيع علي استشهد محروقا. ذهبت للمستشفى لزيارتهم ورأيت وضعهم خطير جدا. ريهام عندما كانت عندنا كان الدم ينزف منها.
ويضيف محمد ابراهيم: تعبنا ووضعنا صعب. الشباب والأطفال لم يتحملوا حجم الصدمة، ويسألون هل سيكون مصيرنا هكذا؟ هل سنبقى هنا بعد الذي حدث؟ هناك حالة من الغضب والحزن الشديد. اولادي ثلاثة وكنا نستعد لتزويجهم بعد اسبوع وجهزنا كل شيء لزواجهم لكنهم الآن يشعرون بالاحباط، ويقولون «اين نسكن لا نريد البقاء هنا»، وضعهم النفسي صعب. ويقول «ان ما حدث جريمة لا يمكن وصفها. وأبشع الجرائم هي جريمة الحرق قمة القذارة والحقارة. نحن في قرية دوما ندرس حاليا تشكيل لجان حماية. لا حك ظهرك مثل ظفرك فنحن أدرى ببلدتنا ونطالب بوقف الجرائم بحقنا كشعب أعزل. هدفهم تهجيرنا لكن لن نترك أرضنا مهما حاولوا».
لجان شعبية لحماية القرية
أما نصر محمد حسن الدوابشة وهو اخو سعد وابن عم ريهام وعم الشهيد علي الدوابشة فيقول (في حديث قبل استشهاد أخيه): اخي سعد وزوجته ريهام وابن أخي أحمد وضعهم حتى الآن ما زال حرجا. اخي سعد درجة الحروق عنده 90 في المئة تقريبا. حروق من الدرجة الثالثة كما استنشق كمية كبيرة من الغاز والدخان الساخن أدى إلى مشاكل في الجهاز التنفسي. وريهام حالتها حرجة تسبب لها الاعتداء بمشاكل في الرئتين ودرجة سموم عالية في الجسم ومشاكل في الكلى. فالمادة التي القيت على المنزل هي مادة شديدة الاشتعال. المنزل اشتعل بسرعة أقل من خمس دقائق، اشتعل بالكامل، تحول إلى كتلة من النيران. أما ابن اخي احمد أقلهم إصابة 60 في المئة نسبة الحروق لكن الطبيب يقول أن وضعه أكثر خطورة بسبب صغر سنه.
نحن في قرية دوما تحيط بنا مجموعة مستوطنات يقيم فيها متطرفون يمارسون العربدة بدون أي رادع على الرغم من ان قريتنا مسالمة وهادئة إلا ان قطعان المستوطنين لم يتركوا هذه القرية بحالها. نعيش في منطقة تحت السيادة الإسرائيلية، السلطة ليست لديها أي سيادة عندنا في القرية.
وتحدث نصر عن الخطوات المطلوبة لحماية القرية قائلا: اتخذنا قرارا بان نحمي انفسنا بأنفسنا من خلال لجان شعبية تقوم بالحراسة ليلا وتوجهنا إلى السلطة الفلسطينية وطالبنا بتوفير دعم أمني ومعنوي للجان وطالبنا ونطالب المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني ومساعدتنا على التخلص من الاحتلال القبيح. وعن زيارة نتنياهو أكد السيد نصر أخ الضحية سعد ان عائلة الدوابشة رفضت زيارة وتعزية نتنياهو، ولولا التفاعل الدولي مع القضية وحجم الضغط الإعلامي لما اضطر إلى تعزية العائلة. قائلا: نحن كعائلة دوابشة رفضنا هذه الزيارة وهذا العزاء وطالبنا نتنياهو ان يقوم بحماية الشعب الفلسطيني من المستوطنين المتطرفين.
ويقول نصر: هناك رعب شديد جدا في القرية.
أتحدث عن تجربتي الشخصية عندما أعود من بيت العزاء إلى منزلي أجد زوجتي وأبنائي في حالة خوف وقلق. يعني إذا أرادت زوجتي ان تخرج من غرفة النوم إلى المطبخ يجب ان ارافقها وكذلك الحال مع أولادي. نحن نتعرض لإرهاب منظم بدعم من جيش الاحتلال وحمايته.
ريهام حملت البطانية معتقدة
أنها تحمل ابنها الرضيع علي.. ثم انهارت
يوسف دوابشة من أقرباء سعد يروي ما حدث قائلا: كانت العائلة نائمة حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل دخل المستوطنون إلى دوما واختاروا بيتا يكون من السهل اضرام الحريق فيه، وكسروا زجاج نافذة غرفة النوم ورموا مواد حارقة سريعة الاشتعال حرقت البيت خلال دقائق. في هذه الأثناء قام سعد بحمل ابنه احمد واخرجه خارج المنزل وقامت الأم ريهام بحمل بطانية معتقدة انه ابنها الرضيع علي وخرجت لتكتشف بعدها بقليل ان ابنها ليس معها.
ولم ينته الأمر عند هذا الحد حيث قام المستوطنون برمي الأم والأب على الأرض ورموا عليهما مجددا مواد حارقة وضربوهما وعندما شاهد أحمد ما حصل لأمه وأبيه خاف ودخل إلى البيت حيث تشتعل النيران.
ويضيف: الطفل أحمد ووالده سعد وامه ريهام يعانون من مشاكل في التنفس والحروق التي وصلت للأعضاء الداخلية، بالاضافة إلى الخارجية.
الدكتور المشرف على حالتهم قال لن يعطي أي معلومة عنهم حتى تاريخ 28/8/2015 مؤكدا ان العلاج سوف يطول وربما يبقون في العناية المركزة لمدة عام. وتحتاج ريهام لعلاج نفسي بسبب الصدمة التي تعرضت لها لمدة عام وعلاج من الحرائق لمدة عامين.
التنسيق الأمني سبب استهتار المستوطنين
ويضيف يوسف الدوابشة: «التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال ساعد على استهتار المستوطنين. نحن كمواطنين ليس معنا سلاح لندافع عن انفسنا، وأي شخص يكون لديه سلاح تقوم السلطة بسحبه منه مباشرة بسبب التنسيق الأمني». مشيرا إلى ان المستوطنين لديهم أسلحة وحسب خبير اسرائيلي حتى المواد التي استخدمت في الحرق هي مواد يستخدمها الجيش الإسرائيلي في حروبه ومن غير المستبعد ان تكون فسفورية أو كيميائية.
نتعرض لاستفزازات كثيرة من قبل المستوطنين وهي تأخذ أشكالا متعددة من الكلام السيء إلى ضرب السيارات بالحجارة إلى مطاردة الأطفال واختطافهم والجيش دائما معهم ويحميهم. ليس معنا سوى الله والسلطة لا تستطيع فعل شيء. كشباب فلسطيني نؤمن بأن المقاومة هي الخيار الوحيد لا يوجد سلام هم لا يريدون السلام. نتظاهر يوميا ونرمي الحجارة لكن هذا كله لا يفيد. من غير أرضية قوية لا نستطيع ان نقاوم، لا أحد يساندنا.
وأضاف: لا نتأمل شيئا من المجتمع الدولي. عندما حرق وقتل محمد أبو خضير ووصلت القضية للجنايات لم يعاقب أي من المستوطنين الذين حرقوه بل تم الافراج عنهم بحجة أنهم مجانين. امي منهارة تبكي.
كل طفل فلسطيني معرض للإعتداء. في نابلس وفي قرية دوما أربع مستوطنات حولنا. في النهار لا يستطيعون الدخول إلى القرية يأتون فقط أثناء الليل كالخفافيش. حذرنا الشباب من أي ردة فعل غاضبة ومن أي عمل غير مبرر لان ذلك لن يخدم القضية. هناك غضب كبير بين الشباب وننادي بمسيرات استنكارية ونعتبر ان الصمت بعد حرق الرضيع علي عار ودم علي ليس للمتاجرة.
وجدان الربيعي