في تقريرها للعام 2014، حول مؤشرات محاربة الفساد والإفساد في العالم، تضع منظمة «الشفافية الدولية» دولة العراق في المرتبة 170، بعلامة 16 من 100؛ تسبقها تركمانستان، وتليها جنوب السودان. وللإنصاف، ولكي لا يبدو العراق وحيداً في هذه الساحة، تشير معطيات العالم العربي إلى مواقع أخرى متدنية (مصر، 94: 37؛ الجزائر، 100: 36؛ سوريا، 159: 20؛ اليمن، 161: 19؛ ليبيا، 166: 18…). طريف، في المقابل، أن تكون تركيا في مرتبة وسيطة (64: 45)؛ وإيران في مرتبة هابطة (136: 27)!. في ضوء هذه المؤشرات، لا أحد يغامر بالقول إنّ قوانين حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، حول مكافحة الفساد في العراق، سوف تمرّ دون مقاومة شرسة من الأطراف المتضررة، في جهة الفاسدين والمفسدين على حدّ سواء. لا أحد، أيضاً، يجزم أنها ستجد تطبيقاتها الملموسة على الأرض، في هذه التربة العراقية الراهنة تحديداً؛ حيث الفساد والإفساد يبدأ من المحاصصة السياسية، من هرم السلطة وحتى القواعد السفلية الأعرض، ولا ينتهي البتة عند الجيش والمؤسسة الأمنية والسلطات الثلاث. صحيح أنّ العراق، كما تشير بيانات «الشفافية الدولية»، لا يبتعد كثيراً عن معدلات فساد الجارة الإيرانية (التي يُقال إنها «مستقرة»، «ممانعة»، لا طائفية فيها ولا حروب أهلية…)؛ إلا أنّ الصحيح الآخر هو مستويات البؤس المريعة التي يخلّفها ذلك الفساد، ومقدار الأذى البالغ الذي يُلحقه يومياً بالحياة الاجتماعية والوطنية. إلى هذا، ثمة تلك القاعدة ـ التي تنطبق على العراق، أسوة بالبلد الذي يحتل المرتبة الأولى في مكافحة للفساد (الدانمرك، 92 درجة) ـ والتي تنصّ على أنّ الفساد، كما الإفساد، ليس شارعاً وحيد الاتجاه، فالفاسد والمرتشي وقابض العمولات، هو حليف المفسد والراشي ودافع العمولات. وتقارير «الشفافية الدولية» تسجّل هذه الحقيقة، بل تتكئ عليها بصفة أساسية حين تتحدّث عن العواقب البنيوية الوخيمة التي تلحق بالاقتصادات النامية جرّاء شيوع الفساد في أجهزة الدولة المعنية مباشرة بالتنمية. والتقرير الرائد في هذا الصدد، الذي وضعه باولو ماورو في سنة 1995، أشار إلى أنّ الدول الأكثر فساداً هي تلك التي تشهد القليل فالأقلّ من توجّه ناتجها القومي الإجمالي إلى الاستثمار، وبالتالي فإنها تحقق القليل فالأقلّ من معدّلات النموّ. وهذه الدول تستثمر في قطاع التربية والتعليم أقلّ بكثير من استثمارها في قطاعات إنشائية، لأنّ هذه الأخيرة توفّر فرص سمسرة لا توفّرها الاستثمارات الأولى. للمرء أن يبدأ من تسجيل فضيلة كبرى لتظاهرات الاحتجاج الشعبية الواسعة التي اجتاحت شوارع العراق مؤخراً، وكانت شعاراتها على درجة مذهلة من الوعي حول ارتباط الفساد بالشعارات المذهبية الزائفة. هذا الحراك، الآخذ في التصاعد، والعابر للحساسيات والمذاهب والإثنيات، وضع العبادي أمام استحقاقات إصلاح لم يعد من الممكن تأجيلها، إذْ صار بديلها الأوّل هو اهتزاز الأرض تحت «حزب الدعوة» ذاته. وهذا، من جانب آخر، هو الشارع الذي صاغ أسئلة جديدة من باطن الأسئلة العتيقة حول أنساق النهب، وهل مردّها «أشباح الحرب الأهلية» وكوابيس «داعش»، كما يزعم الفاسدون والمفسدون؟ أم أنّ المسؤولية تقع على عاتق الحكومات العراقية المتعاقبة، ولكن نوري المالكي بصفة خاصة، لأنها ارتهنت لمعادلات حزبية وبرلمانية ومذهبية ضيقة ولاوطنية، داخلية وخارجية؟ أم هي، إلى هذه وتلك، ثقافة النهب والفساد والإفساد، التي دشّنها الاحتلال الأمريكي للعراق، قبل أن يتولى متابعتها أتباع الاحتلال من ساسة البلد أنفسهم؟ في كلّ حال، الأيام المقبلة كفيلة بإنصاف قوانين العبادي: أهي، حقاً، مسعى جادّ لاستئصال الفساد؛ أم أنها محض نفخ جديد، في قربة مثقوبة عتيقة! صبحي حديدي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
بغداد ـ «القدس العربي»: منذ العام 2003 وحتى الآن، بعد تسلم أكثر من ثلاثة سياسيين رئاسة الوزارة في العراق، لم يتمكن أي رئيس وزراء من الحصول على تأييد شعبي كما حصل مع الدكتور حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، بعد ما أعلن حزمة إصلاحات على أثر التظاهرات التي عمَّت المدن العراقية. الأغرب ليس في الإصلاحات التي أطلقها العبادي، بل بموافقة أعضاء مجلس الوزراء جميعهم منذ الجلسة الأولى، وربما يكون هذا طبيعياً إذا ما قورن بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب العراقي على هذه الإصلاحات، وهو ما أثار شكوك الشارع العراقي بنية هؤلاء الأعضاء برفع أيديهم حينما طلب منهم التصويت على مقترح العبادي! الإصلاحات التي تتضمن إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وتقليص عدد أفراد حماية المسؤولين في الدولة، وإلغاء مخصصات أصحاب الدرجات العليا من الموظفين والمتقاعدين، فضلا عن تقليص تأثير المحاصصة في اختيار المناصب العليا في مؤسسات الدولة، وتخفيض المخصصات المالية الممنوحة لكبار المسؤولين، والعمل على إصلاح المشاكل التي يعانيها قطاع الخدمات العامة. كانت هذه الإصلاحات هي الحزمة الأولى من حزم أخرى تعهد العبادي بها لمواصلة برامج الإصلاح في البلاد. وتتضمن الحزم الأخرى التي من المفترض أن يقدمها العبادي لمجلس الوزراء من أجل التصويت عليها، منها الدعوة إلى المباشرة بعملية ترشيق الهيئات ودمج المديريات القابلة للدمج للقضاء على الترهل، ودعوة رئيس مجلس الوزراء إلى إقالة كل من يثبت تقصيره في إدارة وتحقيق مصالح الشعب. وتنص أيضاً على إقالة أعضاء مجلس النواب ممن تجاوزت غياباتهم من دون عذر مشروع، أكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع الفصل التشريعي الواحد، والنظر في أداء رؤساء اللجان النيابية، وتقليص أعداد أفراد حماية المسؤولين إلى النصف خلال 15 يوماً. فضلاً عن محاسبة المقصرين في الدفاع عن العراقيين ممن تسببوا في تسليم الأرض والسلاح إلى جماعات إرهابية، وايجاد حلول عملية لمشكلة النازحين بما يحفظ لهم حياة كريمة، حسب نص الحزمة النيابية. لم تكن التظاهرات التي خرجت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في أغلب المدن العراقية كسابقاتها، فقد انطلقت بدايةً في قضاء المدينة في البصرة اعتراضاً على نقص الكهرباء، خصوصاً مع بلوغ درجات الحرارة في المدينة أقصى ما يمكن، إذ تجاوزت الـ51 درجة، غير أن تهور بعض أفراد الشرطة العراقية دفعهم لإطلاق الرصاص على بعض الشباب المتظاهرين ما أدى إلى مقتل شاب وإصابة آخر. الشرارة الأولى دفعتها الريح إلى مدينة الناصرية، لتهب جماهير بغداد لنصرة هاتين المدينتين في أول تظاهرة خرجوا بها، غير أن هذه النصرة تحولت خلال ساعاتها الأولى لأن تكون مركزاً مهماً في تظاهرات عمَّت المدن العراقية، حتى الصغيرة منها، وهي التي كانت في التظاهرات السابقة جميعاً بعيدة عن الجماهيرية وراكنة إلى الهدوء والرضا بما قسمته لها الحكومات السابقة. التظاهرات بدأت بجني ثمارها منذ الأيام الأولى، فلم تكن إصلاحات العبادي الوحيدة، بل قامت محافظات عدَّة بإصدار قرارات بإقالة مدراء عامين وتغييرهم خلال يوم واحد، منها ما حصل في محافظة ذي قار بتغيير مدير عام الصحة ومدير عام الزراعة وغيرهما، الأمر نفسه حدث في مدينة البصرة إذ يدرس الآن المحافظ إقالة المدراء العامين وتغييرهم بعد أن يحصل على تصويت مجلس المحافظة. غير أن الانتصار الأكبر هو مطالبة الجماهير بإقالة ومحاسبة بهاء الأعرجي، ضمن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، وهو النائب الأول لرئيس الوزراء العراقي، إذ أجبرت التظاهرات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على إعلانه تقديم الأعرجي استقالته ومنعه من السفر، وهو ما دفعه للاعتداء على المتظاهرين في مؤتمر صحافي، قائلاً: «إن المتظاهرين تحت حذائي».. غير أن الأمر اختلف مع الدكتور أياد علاوي، نائـــب رئــيــس الجمــهورية، الذي قال أن «المنصب لا يشتريه بفلس واحد». وقد لوحظ في تظاهرات الجمعة الماضية، وهي الثالثة في سلسلة التظاهرات، في أغلب المدن العراقية، أن الأعداد تفوق كل التظاهرات السابقة، الساحة والمداخل الرئيسية امتلأت بالناس، ويمكن الحديث عن مئات الألوف، حضور ملموس لعوائل بكاملها، الشعارات الخدمية تكررت نفسها مع انضمام شعار إصلاح السلطة القضائية. الأكثرية من الجماهير غير منتمين لأحزاب، حضور الشباب المدني كان واضحاً، رغم أن بعضهم تعرض للاعتداء من قبل جماعات هدفها أن تسيطر على مركز ساحة التحرير. حضور بصوت عالٍ لجمهور أحزاب معروفة وسط التظاهرات، وكانت الشعارات تدور حول مطالب سياسية تخدم جهات على حساب أخرى، مثل شتم بعض القيادات السياسية وتبجيل بعضها الآخر. بعض الشابات غير المحجبات ذكرن أنهن تعرضن لمضايقة عنصرية، طرد كادر البغدادية من الساحة. ورغم أهمية ما لوحظ في تظاهرات الجمعة الماضية، إلا أن الأهم في التظاهرات الثلاثة إسقاط التابو الديني، فقط ردد المتظاهرون شعارات ضد بعض رجال الدين العراقيين، مثل عمار الحكيم ومقتدى الصدر، ضاربين مخاوف أكثر من اثني عشر عاماً عرض الحائط، فضلاً عن التعرض لشخصيات كبرى تأكدت الجماهير من سقوطهم في الفساد المالي والإداري. الجمعة الماضية حدث فيها ما لم يحدث في الجمع السابقة، فقد سيطرت مجموعة من الشباب المندسين على ساحة التحرير وسط بغداد وتعرضوا للمتظاهرين العزَّل، وبعيداً عن الآراء الشخصية، فقد تحدث المواطن علي السومري عما حدث، قائلاً: «اليوم ومنذ الصباح الباكر تم احتلال ساحة التحرير، مكاننا الذي نقف عليه أمام نصب الحرية، سوروه بالأشرطة، تقبلنا الأمر لأننا نؤمن أن الساحة للجميع شريطة أن تكون المطالب والهتافات ضد المفسدين.. وصلت الساعة الرابعة والنصف، وجدت (السياج) الدائري الذي نقف عليه مسورا أيضا بأشخاص يقفون مع لافتاتهم، أشخاص ممن احتلوا الساحة صباحاً، حتى عثرت على جماعتنا (حميد جحجيح والأصدقاء) وقد اتخذوا مكاناً أمام شارع السعدون، ولأننا نريد أن نمضي بسلام، جهزنا مكبرات الصوت، وبدأنا بهتافاتنا ضد فساد القضاء ومع تحقيق العدالة الاجتماعية. لم تمض نصف ساعة حتى صعد من خلفنا شباب بعصابات خضراء يرتدون (المرقط)، صورونا واحداً واحداً، ثم تكاثروا، حاولنا إبعادهم بطريقة غير مباشرة، نجحت الطريقة مع بعضهم، لكن بعضهم أصر على البقاء. بعدها بقليل، جاء أكثر من عشرين شخصاً ووقفوا أمامنا بالضبط وحاولوا التشويش على هتافاتنا، حاولنا أن نهتف (سلمية سلمية) (مدنية مدنية)، لكن هتافهم تصاعد لاستفزازنا، حتى حاول أحدهم الصعود من الجهة التي تقف فيها النساء فمنعناه، ولم نسمح به، رمونا بقناني الماء، حتى صعد العشرات منهم علينا، بعضهم بعصي، إضافة إلى أصحابهم من خلفنا وحاولوا الاعتداء على النساء ودفعهن من فوق إلى تحت النفق، فوقفنا أمامهم وحدث ما حدث من صدام وعراك بالأيدي والأرجل لم ننهه إلا بعد أن أنزلنا جميع النساء، وعدنا للوقوف على المنصة. لكنهم استمروا بالسب والشتم ومحاولة الاعتداء علينا، وهم يهتفون بأسماء الزعماء!! ليعودوا لمحاولة تطويقنا مرة ثانية، لهذا نزلنا من المنصة إلى الشارع ونحن نهتف للمدنية مرة أخرى، تجمعنا أمام النفق، فأحاطوا بنا مرة ثانية، تراجعنا إلى شارع السعدون للاطمئنان على الأصدقاء، حتى وصلن إلينا الصديقات اللواتي تعرضن لهجمات بالمقصات!!! عند نزولهن من المنصة!! استمررنا بالوقوف، حتى جاءت موجة جديدة منهم يرددون نفس الهتافات أمامنا حتى وقف أحدهم قربي وقال: (ها المدنيين شو رجعتووو!!!)، سؤال: (هذا اشدراه صار اعتداء!!! وهوه جاي من السعدون وبعده مواصل للتحرير!!!؟).عندها فقط أدركنا أن الاستهداف كان مدبراً وهو يستهدف مجموعتنا، لهذا كانت الحكمة بانسحابنا كشخوص تم الاعتداء عليهم، وعدم ارباك الوضع، لهذا أجبرنا الصديق أحمد عبد الحسين بضرورة انسحاب من تم الاعتداء عليهم. أحمد رفض في البدء لكنه استجاب لإلحاحنا في النهاية، وهو ما حدث، حتى اننا لم نبلغ كل من لم يعرف بالاعتداء، لتستمر التظاهرة وافشال مخطط زعزعتها. أما في مدينة كربلاء فقد حدث أمر مقارب لما حدث في بغداد، فقد جاءت مجموعة من المراهقين الذين لم يعهد أن يحضروا في أغلب الحراكات السلمية منذ انطلاق التظاهرات، لم يلتزموا بالتوجيهات الصادرة عن التنسيقية، حاولوا أن يقتحموا الباب المؤدي لمحافظة كربلاء، كانوا عبارة عن مجموعة من الشباب الذين لم يتجاوز عمر أغلبهم الـ18 عاماً؛ حسب ما يذكر نبيل الجابري، قاموا بشتم القوات الأمنية المعنية بحراسة المجمع الحكومي، وبقوا على هذه الحال لأكثر من ساعة تقريباً، غير عابئين بالأصوات المعتدلة التي حاولت أن تفقرهم، ولا بمرشات المياه التي استعملتها قوات مكافحة الشغب من داخل السور. انتهى الأمر بحرق دراجة نارية تابعة لأحد منتسبي الحماية المكلفة بحماية المجمع، ما أدى إلى تدخل فوج طوارئ كربلاء وقوة مكافحة الشغب وتفريقهم. انتهت التظاهرة بهذا السوء الذي لم تكن أغلب التجمعات المدنية تريده أو تدعو له، والسبب في هذا أشياء كثيرة يأتي في مقدمتها، عدم ضبط النفس من قبل عدد كبير من المتظاهرين، وعدم السيطرة عليهم من قبل اللجنة التنسيقية المعنية بإدارة التظاهرة. العبادي يقف الآن أمام جدران كثيرة يجب عليها أن يهدمها واحداً واحداً، فتأييد الجماهير له هو الجدار الذي يدفعه لإجبار مجلس الوزراء على السعي في الإصلاحات ومن بعد ذلك البرلمان العراقي. وفي هذا يرى الدكتور لؤي حمزة عباس في رسالة بعثها إلى العبادي: «امتحانك الحقيقي في موقفك من الإسلام السياسي، بعد أن ضرب مثلاً في تفريخ المفسدين. ما فعله الإسلام السياسي في العراق خلال عقد فاق ما فعله البعث في عقود. ليس أمامك سوى طريقين: طريق الخراب الذي شقه قبلك مفسدو أحزاب السلطة وزبانيتهم، وطريق العراق. اصلح نفسك، أولاً وقبل كلِّ شيء، بالخروج من دائرة السوء. مضيفاً: لن تكون التغيراتُ الكبرى في حياة الشعوب فوريّةً أو يسيرةً أو بلا أثمان، وما نعيشه هذه الأيام وما نسعى جميعاً من أجل تحقيقه، واحدٌ من هذه التغيرات وقد أُبتلع العراقُ من قبل حيتان الفساد وعرابي الخراب، وعلى رأسهم نواب السيد الرئيس، ورؤساء الكتل، رعاة الفساد المتوّجون، الذين لا يؤمنون بالإصلاح مهما تباكوا أو أدعوا، وقد حولوا العراق إلى ملكيةٍ خاصةٍ لهم ولعوائلهم ولأحزابهم ولميليشياهم. لن يستجيب أمثال هؤلاء لإرادة الجماهير، ولن يقبلوا بالتنازل اليسير عن ثرواتهم وجبروتهم وأوهامهم التي أجهزوا بها على حاضر العراق. سيعملون على تعطيل إرادة الجماهير الممثلة، حتى الآن، بإصلاحات رئيس الوزراء، ويدفعون باتجاه متاهة دستورية تبدأ ولا تنتهي. ما نملكه بمواجهتهم هو ما حقق فعل التغيير: أصواتنا التي غيّرت المعادلة السياسية الخائبة، وأعادت مركز القوى إلى موقعه الطبيعي، إرادة الإنسان التي تظل أكبر من كل حزب وأقوى من كل فاسد. لنثق بقدرتنا على إنجاز مهمتنا الأصعب، وأن نمضي حتى الأخير في طريق الرفض والاحتجاج.» في حين يرى الباحث الدكتور فارس كمال نظمي أن ساحة التحرير نواة اجتماعية لكتلة سياسية تاريخية منتظرة! ففي زمن الكوارث السياسية الكبرى، تبرز دوماً فكرة «انطونيو غرامشي» حول إمكانية تأسيس «كتلة تاريخية» بين التيارين المدني والديني لإنقاذ البلاد، بحسب خصوصية كل مجتمع ودرجة تطوره السياسي والاجتماعي، واليوم 14 آب 2015 في ساحة التحرير، كان آلاف الصدريين (يطيب لي أن أسميهم اليساريين اللاهوتين) حاضرين بزخم مدني ملفت، إلى جوار آلاف اليساريين الليبراليين، في تناغم فريد بين التيارين يشمل مضامين الشعارات والأهازيج ولغة الجسد الاحتجاجية… الآيديولوجيات المتضاربة لا تنبع بالضرورة من سيكولوجيات متضاربة. فالمحروم المتدين لا يختلف عن المحروم غير المتدين في بنائه الانفعالي المتضرر جراء الظلم والإفقار والتهميش، لكنهما قد يختلفان في كيفية تسبيبهما لحالتهما وفي مدى تسويغهما أو عدم تسويغهما لها!… واليوم التقى التياران في كيفية تسبيبهما للظلم الاجتماعي الماثل، وفي وعيهما الاحتجاجي بالفقر والحرمان والذل، ضمن إطار وطنياتي موحد وغير مسبوق في عاطفته وغاياته. أليست هي اللحظة المناسبة لانبثاق كتلة تاريخية ـ بشقيها المدني والديني- ذات توجه يساروي اجتماعي، تعمل على تأطير الاحتجاجات الحالية في مسارات تنظيمية فاعلة لضمان استمرارية زخمها، وتحديد ستراتيجية توجهاتها القادمة؟! وأكثر من ذلك كتلة تاريخية تكتسح الانتخابات القادمة سواء كانت مبكرة أو متأخرة. أما الروائي أحمد سعداوي فيشير إلى أن منظر ساحة التحرير في قلب بغداد اليوم يثير الفخر والبهجة. أعداد كبيرة من كل المشارب والاتجاهات اجتمعت على محاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي، أتوا من كل مكان سيراً على الأقدام، ورفعوا مطالب عديدة على رأسها إصلاح القضاء وإقالة مدحت المحمود. وكما هو متوقع فإن عدة مجموعات تتبع أحزاباً موجودة في السلطة دخلت إلى التظاهر، ولكنها، حسب شهود عيان كثيرين، كانوا مسالمين وجزءاً من الجسد العام للمتظاهرين، ما عدا مجموعة واحدة، تناقضت الآراء بشأن عددها، فمنهم من يقول إنهم بالمئات، وآخرون يقولون إنهم بضع عشرات ليس إلا… هذه المجموعة استخدمت الأسلحة البيضاء في الاستيلاء على مركز التظاهرة، وضربت بعض الناشطين وجرحت آخرين، وتم الاعتداء على بعض الناشطات وسرقة هواتفهن المحمولة، وحصلت ملاحقة لبعضهم حتى إلى خارج ساحة التحرير، كل هذا في الساعة الأولى للتظاهرة، ولكن التظاهرة، وقلبها المدني، استمرت لاحقاً، وظلت شعارات شهيرة تكررت في الجمع الماضية، تتردد أيضاً مثل «باسم الدين باكونا الحرامية»، وتزايدت أعداد التظاهر بشكل كبير. اعتداءات الجمعة الماضية حدث فيها ما لم يحدث في الجمع السابقة، فقد سيطرت مجموعة من الشباب المندسين على ساحة التحرير وسط بغداد وتعرضوا للمتظاهرين العزَّل. ويتحدث الكاتب الصحافي علي الحسيني عن هذا الاعتداء مبيناً أن من الطبيعي جداً، أن الذين أوغلوا في دمائنا ونهبوا أموالنا وأحلامنا، لن يسكتوا، وسينتهزون أية فرصة، لكتم أنفاسنا، وترهيب الجماهير التي أطاحت بجشعهم وشراهتهم. مضيفاً: ما فعله «بلطجية» تلك التيارات والأحزاب، وأتباعها ممن ماتت ضمائرهم، وصدئت عقولهم، من محاولة بائسة، لإثارة «المدنيين» بشعارات وهتافات لا علاقة لها بغضب الشارع، واحتلال منصات ساحة التحرير، يهدف إلى تكريس «شيطنة» الشارع الغاضب، ومحاولة وضعه في خانة المعاداة للدين، أملاً بسحب «المرجعية» تأييدها عن المحتجين… متظاهرو اليوم، من الذين لا ينتمون إلا لذواتهم وأحلامهم ورغبتهم في تعديل المسار السياسي في العراق، والعيـــش بكـــرامة، بالرغم من منعهم بشكل أو بآخر من ممارسة احتجــاجهم في منصات ساحة التحرير التي أثثوها بأصواتهم، لكن صمتهم كان أبلغ، وشعاراتهم كانت أصدق وأكثر تعبيراً. «سنبقى، كما يقول عبد العزيز المقالح: نحفر في الجدار، أما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار». شعارات الواضح في هذه التظاهرات أن ثمّة انقلاباً واضحاً في مستوى الوعي الشبابي، وآخر في التعبير، وأخير في تحديد الأورام، كان بشجاعة منقطعة النظير تُخفي في جنباتها شعباً حُرّاً. فكانت بعض الشعارات المرفوعة هي: الكُفر ليس إنكار الربّ وحسب، بل وسرقة أصوات الشعب.. الحكومة التي لا تسمع صوت الشعب ليست حكومة الشعب.. الحكومة التي لا تسمع صوت الشعب، حكومة كافرة بالوطن وإنْ كانت تبني أفخم المساجد.. هنا ماتت الطائفيّة.. لا نريد دولة حزبيّة إنما مدنيّة… ثبتَ بما لا يقبل الشكّ أنكم فاشلون، فوجَبَ تغييركم، فأما التغيير، أو التغيير… صفاء ذياب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
أكبر إنجاز حققه العراقيون في المظاهرات التي خرجت ضد الفساد، أنهم نظموا «مظاهرات» ضد حكم الأحزاب الإسلامية رغم أنهم كانوا يتوقعون أن يتكرر معهم ما حصل مؤخراً في البصرة عندما قتلت «فرق الموت» الإسلامية الفتى منتظر الحلفي الذي تظاهر مطالبا بالكهرباء… قتلوه بدم بارد وهم يصلون، وقالوا: قتله الذي أخرجه!. ولعل المجلس الأعلى الذي قتل منتظر الحلفي، وهدد الذين يريدون تكرار تجربته، كان يريد أن يوصل رسالة للخصوم السياسيين، أن البصرة الغنية بالنفط، والفقر و»الشهداء»، عصية عليهم، ولن يسلمها رئيس المجلس عمار الحكيم، إلا على أشلاء البصريين!.. لكن ْ.. العراقيون تظاهروا من جديد، وكأن يداً خفية تحركهم وهم يهزمون الخوف والتردد، وخرجوا إلى الشوارع غير عابئين بالمهددين «الإسلاميين» وبعضهم مثل السيد صدر الدين القبانجي في صلاة الجمعة في النجف الأشرف، اتهمهم بالعمل على الترويح للعلمانية وإضعاف «إسلامية « المجلس الأعلى الذي ينتمي له القبانجي، وكان من أهم المتعاونين مع الاحتلال الأنكلو الأمريكي لاسقاط نظام صدام حسين عبر الغزو العسكري. رسالة كروكر عندما انخرط «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» بزعامة رئيسه الراحل آية الله محمد باقر الحكيم، في المشروع الأمريكي، وانضم إلى قافلة الاحتلال الانكلو أمريكي لاسقاط صدام، كان يخطط في الخفاء مع داعميه الإيرانيين، لأن لا يكون «حصان طروادة»، وأن يستحوذ على الكعكعة العراقية كلها، ولهذا قبل الحكيم رسالة سرية وجهها له المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية السفير رايان كروكر، ومررها له جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني. وبدا واضحاً في تلك الأيام من شباط/فبراير 2002 أن «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق « -هكذا غير اسمه حسب مقتضيات المرحلة بعد سقوط النظام السابق- كان مصمماً على كسر شوكة المنافسين له وتصفية المعارضين لانضمامه للمشروع الامريكي، عندما هدد المعترضين، وأصــدر «علــماء العراق» المقيمون في قم في ايران، فتاوى تمنح الضوء الأخضر لتصفية وتسقيط من كشف «الرسالة السرية» من واشنطن إلى الحكيم. ولتهيئة المناخ العام لصالح الانضمام للمشروع الأمريكي، عمل المجلس على خطين: - فهو أنكر وجود رسالة رغم أن من نشرها، حصل على محضر اجتماع كامل بين الحكيم ووزير دفاع البيشمركة آنذاك جبار فرمان، بحث آلية وتفاصيل انضمام المعارضة العراقية الشيعية آنذاك، للمشروع الأمريكي. - وبموازاة ذلك، شن المجلس وأنصاره، حملة تسقيط واسعة للمعترضين على التعاون مع أمريكا لاسقاط نظام صدام بالغزو العسكري، وكانت تلك علامة عن الأسلوب الذي اتبعه المجلس «إظهار العين الحمراء» واستخدام العنف والقوة مع المعترضين، ولو كان ذلك بنـــســخ أســاليب نظام صدام، مع فارق واحد، هو أن القـــمع هـــذه المــرة يأتي للدفاع عن الله وباسمه وبتــفــويض منه «لأن الراد عليهم كالراد على الله»!.. في المقابل كان حزب الدعوة الإسلامية، يرفض في العلن الانضمام للمشروع الأمريكي حتى بعد أن دعي له بواسطة الحكيم، ليس لأنه غير راضٍ كما يزعم في نشراته وتصريحات مسؤوليه ومنهم بالطبع «أبو اسراء جواد المالكي» وهو لم يكن سوى نوري المالكي مسؤول الحزب في سوريا والمشرف على جريدته الرسمية لسان حال «الدعوة الإسلامية»، بل لإنه كان يرفض «وصاية» الحكيم رحمه الله، وهو صراع قديم له جذور اختلاف الحزب في المنهج السياسي مع المرجعية الدينية. حزب الدعوة الإسلامية، كان يبكي حَسرة في نشراته الداخلية على «سنوات سقوط» الخلافة العثمانية في حقبة ما كان يُعرف بـ «المرحلة الفكرية» (أو «مرحلة البناء»)، قُبيل تولي صدّام حسين مقاليد السلطة رسمياً في 17 تموز/يوليو 1979، وكان يعتبرها بقية الإسلام السياسي الذي يعني قدرته على الحكم و»قيادة البشرية المعذبة إلى شاطئ الأمان»، برغم كل الفساد الذي كان يعشعش في دولة الخلافة العثمانية وطريقة الحُكم التي تتعارض مع منهج الدعوة، والذي كان يؤمن إلى حد كبير بالإمامة السياسية ونهج ولاية الفقيه وما كان يسمى أيضاً لدى منتقدي الدعوة» الاثنينية»، وهي المزاوجة بين سلطة الولي الفقيه وعموم المرجعية الدينية وسلطة الحزب نفسه! ومن خلال متابعة نهج حزب الدعوة العام ونظريته في الحكم وقبوله المشاركة في تأسيس نظام المُحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، وإسقاط نظام صدّام عبر التعاون مع الاحتلال الأنكلو ـ أمريكي (وهو يتعارض مع فكر الدعوة ونظرية المرحلية والتدرّج نحو استلام الحُكم وبناء الدولة الإسلامية)، يمكن أن يستخلص المرء أن هذه» الإثنينية» تحولت إلى نوع من أنواع التقية السياسية وما يمكن أن يُسمّى بالنفاق السياسي. ويُمكن القول أن هذا التفسير الخاطئ للدين والدعوة إليه بهدف استلام الحكم، قد يبرر أو يفسر ما يشهده العراق (وباقي أقاليم المنطقة)، من نزاع دموي تُستخدم فيه كل الأسلحة القذرة، ولو بلغ ما بلغ. وإذ لم يشارك حزب الدعوة الإسلامية في مؤتمر لندن منتصف كانون الاول/ديسمبر 2002 برعاية السفير الأمريكي زلماي خليل زادة، إلا أن أمينه السابق ابراهيم الجعفري التقى السفير الامريكي في لندن، ثم زار واشنطن وانضم للقافلة التي تقودها أمريكا، مطالباً بحصة أكبر وأن لا يكون ضمن حصة الحكيم في المغانم!. وبالفعل، تحول الهدف عند المجلس والدعوة من إقامة حكومة عدل إسلامية، إلى حكم عضوض يغلّفه شعار (مانطِّيهه)، ولو تحوّل العراق كله إلى جماجم ومقابر جماعية، وهم يتنازعون حول السلطة والوزارات السيادية ومكاسب خيالية لأعضاء البرلمان، ويقدّمون النموذج السيِّء للحكم على حساب المواطن الذي يأن جوعاً وبطالة وأمناً مفقوداً. المالكي حتى وإن ظهر من المظاهرات ونتائجها الأولية في حزمة الاصلاحات الأولى، إلغاء نواب الرئيس الثلاثة ومنهم نوري المالكي، فان التحليل الرصين، يجب أن لا يلغي دور المالكي وحزب الدعوة عموماً من كل ما يجري في العلن. فرئيس الوزراء حيدر العبادي لا يزال في حزب الدعوة ولم يقدم استقالته من الحزب رغم كل المطالب الشعبية، لينزه نفسه على الأقل، وبدلاً من ذلك، فانه عقد اجتماعاً مع قادة الحزب بحضور أمينه العام نوري المالكي، وتمت دراسة «الاصلاحات» المزعومة مع الحزب نفسه الذي يعتبره المتظاهرون الغاضبون جزءاً من الفساد، ومن أسباب تدهور العراق الجديد وانهياره. صحيح أن الحال ليس كما ينبغي بينهما بعد «تنازل» نوري المالكي عمّا سماه حقه القانوني في تجديد رئاسة الوزراء لصالحه، واتفاق الكتلة الشيعية في البرلمان على العبادي رفيقه في الحزب، الا أن حيدر العبادي لا يزال يعمل باسم الدعوة الإسلامية، ملتزماً بنهجها وبرامجها، وخططها في الاستحواذ على أكبر قدر من كعكة الحكم ومكاسبه. وحتى بعد استبعاد قائد فيلق القدس قاسم سليماني من العمل السياسي على الملف العراقي، بعد إخفاقات المالكي السياسية والأمنية على مدى ثمانِ سنوات من حُكمه، وتعيين اللواء حسين همداني الذي استدعي من سوريا، مساعداً لأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال (الأهوازي علي شمخاني)، كمسؤول عن الملف العراقي، لإيجاد توازن ميداني على الأرض لصالح حلفاء إيران من خلال خبرته في القتال ضد المجاميع المسلحة في سوريا، يبقى المالكي رجل بعض القوى النافذة في ايران، وهذه القوى لا تريده يختفي نهائيا من المشـــهد، للدور الذي يمكن أن يلعبه حزب الدعوة عــمــوماً في مرحلة ما بعد المرجع السيستاتي، خصوصاً لصالح مرجعية آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي أبرز المرشحين لخلافة السيستاني، وخلافة المرشد الايراني في آن، آية الله السيد علي خامنئي. وأدّى التدخل الإيراني المُرتبك خلال الفترة التي سبقت إشراف شمخاني على الملف العراقي في حكم العراق خلال السنوات الأخيرة، إلى احتجاجات من السياسيين الشيعة أنفسهم على طريقة إدارة العملية السياسية والتفرّد بالسلطة، الذي كان من أبرز ملامح ولايتيْ المالكي (2006-2014) وانفجرت الاحتجاجات – وإن كانت لأغراض سياسية غير مبررة – على ما سمي حينها سياسات «التهميش» سياسيا وتنمويا، التي تبنتها الحكومة العراقية ضد السُنة. تدوير الفاسدين.. لقد انفجر العراقيون لكنَّ حزمة الاصلاحات الأولى للعبادي التي صادق عليها مجلس النواب مرغماً بسبب تأييد المرجعية الدينية لمطالب المتظاهرين، غير كافية، بل وتثير مخاوف جدية أن يظل تدوير الفساد والفاسدين، المنهج العام الذي يحكم العراق في ظل هيمنة نظام المحاصصة و«شيلني وأشيلك» وتساؤلات لم تجد إجابات عن المسؤولين في سقوط مدن عراقية كبيرة كالموصل وتكريت وغيرها بيد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولماذا لم يكشف النقاب عنهم، ولماذا لا يُصار إلى تغيير الدستور لالغاء الطائفية والمحاصصة العرقية إيضا وما هو موقف الكورد من كل ما يجري، وهل سترضى الدول الاقليمية وأمريكا بإلغاء العملية السياسية؟!. هنـــاك الكــثير مما يتعين على العبادي فعله قبل أن يتخذ أي خطوة باتجاه إلغاء العملية السياسية بصيغتها الراهنة، فيما خصومه ومنافسوه يتربصون به، ويملكون قوة عسكرية على الأرض. فعل يستطيع العبادي مثلاً أن يتجاوز سلطة مقتدى الصدر وعمار الحكيم حتى مع عزل أو إقالة الفاسدين التابعين لهما، فيقوم مثلاً بتعيين وزراء أكفاء لا يتبعون التيار الصدري والمجلس الأعلى؟ هــذه سـيــاسة تدوير الفساد والفاسدين التي ســتــســتــمر ما لم يتم إسقاط العملية السياسية برمتها … طبعاً بحل البرلمان الحالي الذي تزكم رائحته الأنوف. أخيراً… وأين إيران من كل ذلك؟ نجاح محمد علي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: رد: العبادي والقربة المثقوبة : ونشرة القدس العربي اليومية الأحد 16 أغسطس 2015 - 13:31
أكبر إنجاز حققه العراقيون في المظاهرات التي خرجت ضد الفساد، أنهم نظموا «مظاهرات» ضد حكم الأحزاب الإسلامية رغم أنهم كانوا يتوقعون أن يتكرر معهم ما حصل مؤخراً في البصرة عندما قتلت «فرق الموت» الإسلامية الفتى منتظر الحلفي الذي تظاهر مطالبا بالكهرباء… قتلوه بدم بارد وهم يصلون، وقالوا: قتله الذي أخرجه!. ولعل المجلس الأعلى الذي قتل منتظر الحلفي، وهدد الذين يريدون تكرار تجربته، كان يريد أن يوصل رسالة للخصوم السياسيين، أن البصرة الغنية بالنفط، والفقر و»الشهداء»، عصية عليهم، ولن يسلمها رئيس المجلس عمار الحكيم، إلا على أشلاء البصريين!.. لكن ْ.. العراقيون تظاهروا من جديد، وكأن يداً خفية تحركهم وهم يهزمون الخوف والتردد، وخرجوا إلى الشوارع غير عابئين بالمهددين «الإسلاميين» وبعضهم مثل السيد صدر الدين القبانجي في صلاة الجمعة في النجف الأشرف، اتهمهم بالعمل على الترويح للعلمانية وإضعاف «إسلامية « المجلس الأعلى الذي ينتمي له القبانجي، وكان من أهم المتعاونين مع الاحتلال الأنكلو الأمريكي لاسقاط نظام صدام حسين عبر الغزو العسكري. رسالة كروكر عندما انخرط «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» بزعامة رئيسه الراحل آية الله محمد باقر الحكيم، في المشروع الأمريكي، وانضم إلى قافلة الاحتلال الانكلو أمريكي لاسقاط صدام، كان يخطط في الخفاء مع داعميه الإيرانيين، لأن لا يكون «حصان طروادة»، وأن يستحوذ على الكعكعة العراقية كلها، ولهذا قبل الحكيم رسالة سرية وجهها له المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية السفير رايان كروكر، ومررها له جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني. وبدا واضحاً في تلك الأيام من شباط/فبراير 2002 أن «المجلس الإسلامي الأعلى في العراق « -هكذا غير اسمه حسب مقتضيات المرحلة بعد سقوط النظام السابق- كان مصمماً على كسر شوكة المنافسين له وتصفية المعارضين لانضمامه للمشروع الامريكي، عندما هدد المعترضين، وأصــدر «علــماء العراق» المقيمون في قم في ايران، فتاوى تمنح الضوء الأخضر لتصفية وتسقيط من كشف «الرسالة السرية» من واشنطن إلى الحكيم. ولتهيئة المناخ العام لصالح الانضمام للمشروع الأمريكي، عمل المجلس على خطين: - فهو أنكر وجود رسالة رغم أن من نشرها، حصل على محضر اجتماع كامل بين الحكيم ووزير دفاع البيشمركة آنذاك جبار فرمان، بحث آلية وتفاصيل انضمام المعارضة العراقية الشيعية آنذاك، للمشروع الأمريكي. - وبموازاة ذلك، شن المجلس وأنصاره، حملة تسقيط واسعة للمعترضين على التعاون مع أمريكا لاسقاط نظام صدام بالغزو العسكري، وكانت تلك علامة عن الأسلوب الذي اتبعه المجلس «إظهار العين الحمراء» واستخدام العنف والقوة مع المعترضين، ولو كان ذلك بنـــســخ أســاليب نظام صدام، مع فارق واحد، هو أن القـــمع هـــذه المــرة يأتي للدفاع عن الله وباسمه وبتــفــويض منه «لأن الراد عليهم كالراد على الله»!.. في المقابل كان حزب الدعوة الإسلامية، يرفض في العلن الانضمام للمشروع الأمريكي حتى بعد أن دعي له بواسطة الحكيم، ليس لأنه غير راضٍ كما يزعم في نشراته وتصريحات مسؤوليه ومنهم بالطبع «أبو اسراء جواد المالكي» وهو لم يكن سوى نوري المالكي مسؤول الحزب في سوريا والمشرف على جريدته الرسمية لسان حال «الدعوة الإسلامية»، بل لإنه كان يرفض «وصاية» الحكيم رحمه الله، وهو صراع قديم له جذور اختلاف الحزب في المنهج السياسي مع المرجعية الدينية. حزب الدعوة الإسلامية، كان يبكي حَسرة في نشراته الداخلية على «سنوات سقوط» الخلافة العثمانية في حقبة ما كان يُعرف بـ «المرحلة الفكرية» (أو «مرحلة البناء»)، قُبيل تولي صدّام حسين مقاليد السلطة رسمياً في 17 تموز/يوليو 1979، وكان يعتبرها بقية الإسلام السياسي الذي يعني قدرته على الحكم و»قيادة البشرية المعذبة إلى شاطئ الأمان»، برغم كل الفساد الذي كان يعشعش في دولة الخلافة العثمانية وطريقة الحُكم التي تتعارض مع منهج الدعوة، والذي كان يؤمن إلى حد كبير بالإمامة السياسية ونهج ولاية الفقيه وما كان يسمى أيضاً لدى منتقدي الدعوة» الاثنينية»، وهي المزاوجة بين سلطة الولي الفقيه وعموم المرجعية الدينية وسلطة الحزب نفسه! ومن خلال متابعة نهج حزب الدعوة العام ونظريته في الحكم وقبوله المشاركة في تأسيس نظام المُحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، وإسقاط نظام صدّام عبر التعاون مع الاحتلال الأنكلو ـ أمريكي (وهو يتعارض مع فكر الدعوة ونظرية المرحلية والتدرّج نحو استلام الحُكم وبناء الدولة الإسلامية)، يمكن أن يستخلص المرء أن هذه» الإثنينية» تحولت إلى نوع من أنواع التقية السياسية وما يمكن أن يُسمّى بالنفاق السياسي. ويُمكن القول أن هذا التفسير الخاطئ للدين والدعوة إليه بهدف استلام الحكم، قد يبرر أو يفسر ما يشهده العراق (وباقي أقاليم المنطقة)، من نزاع دموي تُستخدم فيه كل الأسلحة القذرة، ولو بلغ ما بلغ. وإذ لم يشارك حزب الدعوة الإسلامية في مؤتمر لندن منتصف كانون الاول/ديسمبر 2002 برعاية السفير الأمريكي زلماي خليل زادة، إلا أن أمينه السابق ابراهيم الجعفري التقى السفير الامريكي في لندن، ثم زار واشنطن وانضم للقافلة التي تقودها أمريكا، مطالباً بحصة أكبر وأن لا يكون ضمن حصة الحكيم في المغانم!. وبالفعل، تحول الهدف عند المجلس والدعوة من إقامة حكومة عدل إسلامية، إلى حكم عضوض يغلّفه شعار (مانطِّيهه)، ولو تحوّل العراق كله إلى جماجم ومقابر جماعية، وهم يتنازعون حول السلطة والوزارات السيادية ومكاسب خيالية لأعضاء البرلمان، ويقدّمون النموذج السيِّء للحكم على حساب المواطن الذي يأن جوعاً وبطالة وأمناً مفقوداً. المالكي حتى وإن ظهر من المظاهرات ونتائجها الأولية في حزمة الاصلاحات الأولى، إلغاء نواب الرئيس الثلاثة ومنهم نوري المالكي، فان التحليل الرصين، يجب أن لا يلغي دور المالكي وحزب الدعوة عموماً من كل ما يجري في العلن. فرئيس الوزراء حيدر العبادي لا يزال في حزب الدعوة ولم يقدم استقالته من الحزب رغم كل المطالب الشعبية، لينزه نفسه على الأقل، وبدلاً من ذلك، فانه عقد اجتماعاً مع قادة الحزب بحضور أمينه العام نوري المالكي، وتمت دراسة «الاصلاحات» المزعومة مع الحزب نفسه الذي يعتبره المتظاهرون الغاضبون جزءاً من الفساد، ومن أسباب تدهور العراق الجديد وانهياره. صحيح أن الحال ليس كما ينبغي بينهما بعد «تنازل» نوري المالكي عمّا سماه حقه القانوني في تجديد رئاسة الوزراء لصالحه، واتفاق الكتلة الشيعية في البرلمان على العبادي رفيقه في الحزب، الا أن حيدر العبادي لا يزال يعمل باسم الدعوة الإسلامية، ملتزماً بنهجها وبرامجها، وخططها في الاستحواذ على أكبر قدر من كعكة الحكم ومكاسبه. وحتى بعد استبعاد قائد فيلق القدس قاسم سليماني من العمل السياسي على الملف العراقي، بعد إخفاقات المالكي السياسية والأمنية على مدى ثمانِ سنوات من حُكمه، وتعيين اللواء حسين همداني الذي استدعي من سوريا، مساعداً لأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الأميرال (الأهوازي علي شمخاني)، كمسؤول عن الملف العراقي، لإيجاد توازن ميداني على الأرض لصالح حلفاء إيران من خلال خبرته في القتال ضد المجاميع المسلحة في سوريا، يبقى المالكي رجل بعض القوى النافذة في ايران، وهذه القوى لا تريده يختفي نهائيا من المشـــهد، للدور الذي يمكن أن يلعبه حزب الدعوة عــمــوماً في مرحلة ما بعد المرجع السيستاتي، خصوصاً لصالح مرجعية آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي أبرز المرشحين لخلافة السيستاني، وخلافة المرشد الايراني في آن، آية الله السيد علي خامنئي. وأدّى التدخل الإيراني المُرتبك خلال الفترة التي سبقت إشراف شمخاني على الملف العراقي في حكم العراق خلال السنوات الأخيرة، إلى احتجاجات من السياسيين الشيعة أنفسهم على طريقة إدارة العملية السياسية والتفرّد بالسلطة، الذي كان من أبرز ملامح ولايتيْ المالكي (2006-2014) وانفجرت الاحتجاجات – وإن كانت لأغراض سياسية غير مبررة – على ما سمي حينها سياسات «التهميش» سياسيا وتنمويا، التي تبنتها الحكومة العراقية ضد السُنة. تدوير الفاسدين.. لقد انفجر العراقيون لكنَّ حزمة الاصلاحات الأولى للعبادي التي صادق عليها مجلس النواب مرغماً بسبب تأييد المرجعية الدينية لمطالب المتظاهرين، غير كافية، بل وتثير مخاوف جدية أن يظل تدوير الفساد والفاسدين، المنهج العام الذي يحكم العراق في ظل هيمنة نظام المحاصصة و«شيلني وأشيلك» وتساؤلات لم تجد إجابات عن المسؤولين في سقوط مدن عراقية كبيرة كالموصل وتكريت وغيرها بيد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، ولماذا لم يكشف النقاب عنهم، ولماذا لا يُصار إلى تغيير الدستور لالغاء الطائفية والمحاصصة العرقية إيضا وما هو موقف الكورد من كل ما يجري، وهل سترضى الدول الاقليمية وأمريكا بإلغاء العملية السياسية؟!. هنـــاك الكــثير مما يتعين على العبادي فعله قبل أن يتخذ أي خطوة باتجاه إلغاء العملية السياسية بصيغتها الراهنة، فيما خصومه ومنافسوه يتربصون به، ويملكون قوة عسكرية على الأرض. فعل يستطيع العبادي مثلاً أن يتجاوز سلطة مقتدى الصدر وعمار الحكيم حتى مع عزل أو إقالة الفاسدين التابعين لهما، فيقوم مثلاً بتعيين وزراء أكفاء لا يتبعون التيار الصدري والمجلس الأعلى؟ هــذه سـيــاسة تدوير الفساد والفاسدين التي ســتــســتــمر ما لم يتم إسقاط العملية السياسية برمتها … طبعاً بحل البرلمان الحالي الذي تزكم رائحته الأنوف. أخيراً… وأين إيران من كل ذلك؟ نجاح محمد علي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
يرى بعض المراقبين للشأن العراقي ان منتظر الحلفي الشاب العشريني الذي قتل برصاص قوات الأمن في 16تموز/يوليو الماضي في تظاهرات عفوية خرجت احتجاجا على تردي الكهرباء في محافظة البصرة جنوب العراق، صورة أخرى من بوعزيزي عراقي، رمزا حرك بحيرة الفساد الآسنة التي يغرق فيها المواطن منذ اثنتي عشرة سنة، مما حفز ناشطون ومثقفون دعوا إلى حراك جماهيري في قلب العاصمة بغداد بعد الحادثة باسبوعين. خرج المتظاهرون وغصت بهم ساحة التحرير وتزامنا مع الحدث اعطت المرجعية الدينية في النجف ضوءا أخضر لهذه الاحتجاجات عبر خطب ممثلي السيستاني في صلاة الجمعة، مما منحها زخما أكبر ودفع الحكومة التي يتظاهر ضدها المواطن إلى تبني مطاليبه عبر حزمة مقترحات وجهها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي. بعض المطلعين على خفايا المشهد العراقي أشاروا إلى أن الأمر أقدم من تداعياته الأخيرة والانفجار الجماهيري بوجه سوء الخدمات. إذ يشير البعض إلى نزاع خفي بين (الحرس القديم) ممثلا بكتلة حكومية وبرلمانية ملتفة حول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كانت وراء تحريك العديد من الناشطين للخروج بمظاهرات لعرقلة اداء الحكومة التي انجزت بعض النجاحات على الصعيد العسكري في مواجهة تنظيم الدولة وتحرير عدد من المدن، لاسقاطها أو الضغط عليها جماهيرا مما يجعلها تبدو حكومة ضعيفة أمام تلال الفساد التي ورثتها عن الحكومات السابقة. لكن العبادي قلب الطاولة على (الحرس القديم) عندما تماهى مع مطالب الشارع وطرح نفسه كمحارب للفساد ومحاط بعصابة من الساسة الفاسدين الذين سيحاول تقليم مخالبهم التي انغرزت في رقاب الشعب منذ أكثر من عقد، فطالب باقالة رموز (الحرس القديم) من مناصبهم (نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وترشيق الوزارات) في حركة أطلق عليها البعض انقلابا أبيض، أو انقلابا دستوريا ، مما دفع بمظاهرات مؤيدة للعبادي إلى الخروج يوم الأحد الماضي بعد ان أعلن عن ورقته الاصلاحية. فما هي هذه الورقة؟ وما مدى أهميتها وقانونيتها ودستوريتها؟ وما مدى امكانية تطبيقها الآن؟ وما أهمية ورقة الاصلاح البرلمانية التي الحقت بورقة رئيس الوزراء؟ وهل جاءت مقيدة للورقة الأولى؟ أم انها أعادت الكرة إلى ساحة العبادي ثانية للتخلص من عبء الاصلاحات؟ على الصعيد الإداري طالب العبادي بإخراج المواقع العليا من وكلاء ومستشارين ورؤساء هيئات من المحاصصة السياسية والطائفية واختيار أصحاب الكفاءة والنزاهة لهذه المواقع وعرض المرشحين على مجلس الوزراء خلال ستة أشهر لرفعها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها.على ان يشكل رئيس الوزراء لجنة مهنية لاختيار الكوادر العليا ضمن معايير اختيار المؤهلين للقيادات العليا المبنية على اسس موضوعية والمعدة من هيئة المستشارين والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية في ذلك. وهنا نتسائل عن آلية تشكيل اللجنة المختصة وكيف ستنجو من وباء المحاصصة الضاغط من قبل شركاء العملية السياسية، فهل سيترك هؤلاء الشركاء الأمر متاحا للعبادي للتصرف بدون عراقيل؟ وهل يعد تشكيل هكذا لجنة أو هيئة مرتبطة برئيس الوزراء إجراء دستوريا؟ كما ان ورقة العبادي أشارت إلى اصلاح نظام الرواتب والمخصصات وتقديم نظام جديد خلال شهر، والاستمرار بتحديد الامتيازات للمسؤولين بما فيها (الحمايات، السيارات، السكن) وفق معايير قانونية عادلة. لكن ماهي هذه المعايير أو الضوابط التي ستتبع لاصلاح ترهل وفساد نظام الدخول والحمايات والنهب المعشش في المنطقة الخضراء؟ هذا ما لم توضحه ورقة الاصلاح. كما قرر الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء فوراً، وهنا وقع العبادي في مأزق دستوري واضح وهو المادة 78 من الدستور التي تنص على ان ( رئيس مجلس الوزراء يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته وله الحق في إقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب) ولم يرد أي ذكر في هذه المادة لحقه في إقالة نواب رئيس الجمهورية، وهذا مناقض لـ 3 مواد دستورية، فالمادة 69 ثانيا تشير إلى ( تنظم بقانون أحكام اختيار نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية ) يعني منصب نائب واحد للرئيس على الأقل جاء بنص دستوري وإلغاؤه لا يتم إلا بتعديل الدستور. كما ان المادة 75 ثانيا تشير إلى ( يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه) والمادة 75 ثالثا ( يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان) ما يعني ان إلغاء المنصب يتطلب تعديلا دستوريا، بينما المادة 13 ثانيا تنص على ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع الدستور ويعد باطلا كل نص يتعارض معه). وإذا كان القانون يعد باطلا إذا تناقض مع الدستور فبالتأكيد ستكون إجراءات الورقة بهذا الخصوص باطلة أيضا، وهنا لابد من تعديل دستوري وهذه مشكلة كبرى. فالمادة 126 اشترطت موافقة ثلثي أعضاء البرلمان ومصادقة الشعب بالاستفتاء ومصادقة رئيس الجمهورية قبل أي تعديل، وهذا أقرب ما يكون إلى المستــحيل في الوضع العراقي الحالي. أما على الصعيد الاقتصادي والمالي الذي يشهد اختناقا قاتلا بسبب تراجع أسعار البترول المصدر الوحيد تقريبا الذي تعتاش عليه دولة العراق الريعية اليوم، فقد أكدت ورقة الاصلاح على نقاط عدها الشارع ثانوية مثل معالجة التهرب الضريبي وتطبيق التعرفة الكمركية بصورة عادلة على جميع المنافذ الحدودية، لكنها ضربت على وتر حساس يمس مشاعر الناس في تناولها موضوع خفض الحد الأعلى للرواتب التقاعدية للمسؤولين وإجراء صياغة تقدم خلال أسبوع تعالج القرارات الخاطئة التي اتخذت سابقا. وقرر الدكتور العبادي تشكيل خلية أزمة مهمتها اتخاذ القرارات المناسبة لتفعيل حركة الاستثمار وتنشيط القطاع الخاص من خلال تفعيل القروض لتنشيط حركة الاقتصاد في البلاد، وتشغيل العاطلين عن العمل ودعم القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة من خلال توفير قروض في حدود مليار دولار لهذا الشأن. وهنا نتسائل هل بامكان الاقتصاد العراقي المنهك توفير ما أشارت له الورقة الاصلاحية في دعم القطاع الصناعي والقطاع الزراعي وقطاع الإسكان بقروض قدرت بخمسة مليارات دولار؟ أما في قطاع الخدمات الذي أشعل فتيل الأزمة فقد أشارت ورقة العبادي إلى حزمة إجراءات لحسم مشاكل الكهرباء في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع والجباية وعلى ان ينجز ذلك خلال اسبوعين، وتبني برنامج رقابة مجتمعية فعال لكشف التراجع أو الفشل في تقديم الخدمات بغية محاسبة المقصرين. كما تناولت الورقة العقبة الرئيسية وهي آلية مكافحة الفساد عبر تفعيل دور مجلس مكافحة الفساد الذي سيتولى مسؤوليته رئيس الوزراء والذي سيتبنى حملة (من أين لك هذا؟) وبالتعاون مع القضاء. وطالبت بتنشيط دور المؤسسات الرقابية والكشف عن المفسدين ووضع معايير لتقييم أداء المؤسسات الرقابية ويقضي ذلك تفعيل دور هيئة النزاهة الوطنية وإعادة النظر في مكاتب المفتشين العموميين، وهنا يجب ان نشير إلى عدم مساس الورقة الاصلاحية المقدمة من رئيس الوزراء بالهيئات المستقلة مثل هيئة النزاهة التي تحولت بدورها إلى وكر للفساد وأداة طيعة بيد (الحرس القديم) تستخدمها لتصفية حسابها مع خصومها السياسيين. كما لم تشر الورقة إلى واقع السلطة القضائية المتردي الذي سيس بامتياز في فترة ولاية المالكي الثانية، وهنا جـــاء دور ورقـــة الاصلاح التي تقدم بها البرلمان، فــماذا تناولت هذه الورقة؟ في البدء يجب ان نشير إلى ان هتافات الجماهير الغاضبة كانت قد وضعت البرلمان وأعضائه في سلة الفساد، حتى وصلت بعض المطالبات إلى حل البرلمان أو الغائه أو تجميده وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وهو مطلب غير واقعي في طبيعة الحال، وعندما قدم العبادي ورقته إلى البرلمان للمصادقة عليها، التف حوله الشارع في خطوة فيها تحد للبرلمان المنقسم وفق معادلة طائفية واثنية تكتفه وتعيق عمله، وكان المتوقع ان تتم عرقلة الورقة الاصلاحية، إلا ان البرلمان شهد جلسة حضيت بأعلى نسبة حضور منذ 2003 ولحد الآن، ووافق على ورقة مجلس الوزراء بالاجماع ولكنه أطرها بمطالب دستورية انصبت على القولبة القانونية لمطالب العبادي، كما ان ورقة البرلمان كانت نوعا من إعادة الكرة لملعب العبادي إذ طلبت منه انجاز عملية ترشيق الوزارات والهيئات خلال مدة زمنية لا تتجاوز الـ30 يوماً وطرحها للتصويت، كما دعت رئيس مجلس الوزراء إلى إقالة كل من وزير الكهرباء والموارد المائية وكل من يثبت تقصيره في إدارة الوزارة وتحقيق مصالح الناس بما له من صلاحية ووفق الآلية الدستورية. والملاحظ ان لازمة (وفق الآلية الدستورية) رافقت أغلب نقاط الاصلاح في ورقة البرلمان، فماذا يعني ذلك؟ يعني ان البرلمان ما زال سيد الموقف، والكتل السياسية ما زالت ممسكة بموازنة المعادلة السياسية وان دعوة ورقة البرلمان إلى السلطة القضائية لتقديم ورقتها للاصلاح يعني ان لا مجال حقيقيا لاصلاح ثوري ( أبيض كان أو غير أبيض) وان السعي لاصلاح المنظومة السياسية العراقية من داخلها ما زالت هي الممكنة في الوقت الحالي، وهذا ما أكده رئيس الوزراء في كلمته المتلفزة يوم 13 اب/اغسطس منبها المتظاهرين من ان البعض يحاول ركوب موجة التظاهر لأسباب وصراعات سياسية وذلك عبر تبني مطالب غير قابلة للتحقيق إلا عبر تدمير العملية السياسية وفي هذه الحالة سيكون البلد كله مهددا بالتفجر والتشظي مع وجود تنظيم الدولة على بوابة بغداد الغربية. لكن هل سيقتنع المتظاهرون بهذه الاصلاحات الممنهجة التي قد تستلزم أعواما ويرضى الجمهور ببعض أكباش الفداء؟ هذا ما سيجيب عليه الشارع العراقي في المقبل من الأيام. صادق الطائي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
بغداد ـ «القدس العربي»: بعد تظاهرات حاشدة لملايين العراقيين الغاضبين على نقص الخدمات وتفشي الفساد في كيان الدولة ونهب المال العام، وبعد تدخل المرجعية الدينية، وافق مجلس النواب العراقي بالاجماع على حزمة قرارات وإجراءات قدمتها الحكومة العراقية والبرلمان، تهدف إلى تلبية مطالب المتظاهرين في تحقيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية لحل مشاكل العراق إضافة لمحاسبة الفاسدين وسراق المال العام. وقد أعلن رئيس مجلس النواب سليم الجبوري في جلسة التصويت على الاصلاحات، أن القرارات التي أصدرتها الحكومة هي الحزمة الأولى التي ستليها إجراءات وقرارات مهمة أخرى يتوقع صدورها لتحقيق الاصلاحات في مختلف مناحي الحياة في البلد. كما أشار إلى أن البرلمان سيفعّل لجنة «من أين لك هذا ؟» التي ستفتح ملفات الفساد للمسؤولين في الحكومة السابقين والحاليين. وإذا كانت القرارات الاصلاحية قوبلت بارتياح كبير من الأوساط الشعبية، مع المطالبة بالمزيد منها، فإن القرارات، وكما هو متوقع، جوبهت باعتراضات من قبل بعض القوى التي تضررت أو تتوقع أن تضرر منها. وكان موقف رئيس الجمهورية فؤاد معصوم متحفظا، كون رئيس الوزراء أصدر القرارات وخاصة المتعلقة بإلغاء مناصب نوابه الثلاثة، دون التنسيق معه، مؤكدا أن القرارات تهدف إلى الاصلاحات ومكافحة الفساد، وأنه ليست هناك علاقة لنوابه بهذا الموضوع. ووصف نائبه اياد علاوي القرارات بغير الدستورية ولا تعالج أساس المشاكل كالعفو والغاء التهميش والمحاصصة، داعيا العبادي أن يبدأ مكافحة الفساد من مكتبه. وكذلك حذر النائب الآخر نوري المالكي من تحول التظاهرات إلى فوضى تلحق الضرر بالبلد وتجعل المواطنين يترحمون على الماضي. ومن جانبهم، أكد القانونيون أن القرارات التي أصدرها العبادي تتجاوز صلاحياته المحددة بموجب الدستور، حيث تتطلب بعض القرارات الحصول على موافقة رئيس الجمهورية، كما تتطلب تعديل الدستور. ورغم أن قرارات العبادي تعتبر نقلة نوعية مهمة في مسيرة الحكومة لتحسين الأوضاع، فإنها ليست كافية دون ملامسة طلبات المتظاهرين واحتياجاتهم مثل توفير الخدمات وخاصة الكهرباء ومحاسبة الفاسدين واحالتهم إلى القضاء. وضمن هذا السياق جاء تحذير السيد مقتدى الصدر، من تسويف طلبات المتظاهرين والتأكيد أنه يتابع تنفيذ القرارات التي صادق عليها مجلس النواب. كما أمر القيادي في التيار الصدري بهاء الأعرجي بتقديم الاستقالة ومنعه من السفر إلى خارج العراق لحين استكمال اجراءات التحقيق معه حول ما نسب إليه من تهم بالفساد المالي. ومن ناحية أخرى، فإن القرارات فتحت المجال لحكومات المحافظات، لإتخاذ الإجراءات الاصلاحية المهمة مثل حل مجلس المحافظات والمجالس البلدية، كما حصل في بغداد بابل وغيرها، لعدم كفاءة هذه التشكيلات الإدارية وفشلها في تقديم الخدمات والحد من انتشار الفساد. وقد لاحظ المتابعون لتطور التظاهرات، ارتفاعا في سقف المطالب مع استمرار تنظيم التظاهرات، فبعد أن بدأت بمطلب توفير الكهرباء، انتهت بمطالبات أكبر مثل محاكمة الفاسدين وتوفير الخدمات والعمل وإلغاء التشكيلات الإدارية التي ثبت فشلها في خدمة الشعب. أما أبرز المآخذ على التظاهرات الحاشدة فهو غياب قيادة موحدة للحراك الجماهيري، تحدد الأهداف ووسائل التحرك وأماكنها، كما تأخذ على عاتقها التفاوض مع الحكومة والبرلمان حول مطالبها المشروعة ، ومتابعة تنفيذها. ورغم ان الناشطين الشباب كان لهم الدور الأكبر في هذا الحراك، بالتعاون الرائع مع خبرة الكبار الداعمين للحراك من سياسيين وإعلاميين وإكاديميين، لعبوا دورا مؤثرا في توجيه المتظاهرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حيث تحديد الشعارات والمطالب وأماكن وتوقيتات النشاطات والتجمعات، إلّا أن التأثير سيكون أكبر لو وجدت قيادة موحدة تعبر عن الجمهور بكل طوائفه وشرائحه بعيدا عن الطائفية والقومية والإنقسامات السياسية. وتحدث الناشط في تنسيقية التظاهرات زياد العجيلي لـ «القدس العربي» قائلا: «أن يوم الجمعة سيشهد تظاهرة أخرى ترسل رسالة واضحة إلى الحكومة والبرلمان، بأن القرارات الاصلاحية التي وافق عليها مجلس النواب، هي جزء من مطالب الاصلاح التي يجب أن تطبق على أرض الواقع وليس كما حصل مع الكثير من القرارات التي أصدرتها الحكومة والبرلمان وبقيت حبرا على ورق». وأكد العجيلي، الذي هو أيضا مدير مرصد الحريات الصحافية، ان العبادي يواجه ضغوطا كبيرة، ولكنها فرصته ليثبت للشعب العراقي أنه عازم على تحقيق الاصلاحات الضرورية، مستفيدا من الدعم الذي يحضى به من الشعب والبرلمان والمرجعية. ولا يمكن في هذا المجال، إغفال الإشارة إلى الدور الرائع للإعلام الوطني الذي وقف مع التظاهرات ونشر نشاطاتها وأهدافها وشعاراتها، في وقت تعمدت فيه الكثير من القنوات ووسائل الإعلام المحلية، تغطية التظاهرات بشكل خجول أو في الغالب أهمالها. وقد تميزت التظاهرات بالسلمية والإبتعاد عن الشعارات الطائفية ورفض تجيير النشاط لمصلحة القوى التي تعودت ركوب الموجات والتظاهرات لتحقيق أهداف تكون بعيدة عن أهداف الجمهور، فكانت الرايات الوحيدة المرفوعة في التظاهرات هي الأعلام العراقية التي ستبقى أفضل غطاء لجميع العراقيين. ولم يعد بإمكان أحد أن يصف التظاهرات بأنها تمثل فئة ضد أخرى أو منطقة ضد أخرى أو أنها مدفوعة من الخارج. رسائل التظاهرات وكانت التظاهرات التلقائية التي انطلقت في المدن العراقية، بمثابة تحرك شعبي عارم أراد إيصال عدة رسائل إلى الحكومة والسياسيين والمرجعية الدينية. والرسالة الأولى كانت تحذيرا إلى الحكومة والسياسيين، بضرورة التحرك لإيقاف إنهيار البلد، ومعالجة المشاكل والأزمات المتواصلة التي تجثم على صدور العراقيين منذ 2003 ، وفي مقدمها نقص الخدمات الأساسية واستمرار المفسدين في نهب ثروات العراق وإضاعة سيادته، مع التركيز على محاسبة المفسدين واحالتهم إلى القضاء واسترجاع الأموال التي نهبوها إلى الدولة. الرسالة الثانية هي أن الشعب العراقي لا يمكن أن يُخدع دائما من قبل السياسيين وتجار الأزمات، ويجب عدم الانخداع بسكوت الجماهير عن ضياع حقوقها ونهب ثرواتها، فالتاريخ العراقي مليء بالثورات والانتفاضات الشعبية التي أسقطت عروشا وأنظمة كانت تعتبر نفسها في مأمن من ثورات الشعب، والتي سبق فيها العراقيون ما تسمى بثورات الربيع العربي. الرسالة الثالثة وجهها المتظاهرون إلى المرجعية الدينية بضرورة أخذ دورها وتحديد موقفها من تحرك الشعب ومعاناته. وكانت التظاهرات التي تم تنظيمها أمام مقر المرجعية في النجف وكربلاء، بمثابة الحافز القوي للتدخل وتوجيه الحكومة بوضع حد للفشل المتراكم للإداء الحكومي وخاصة في مجال الخدمات الأساسية وضرورة مكافحة الفساد المستشري الذي أوصل البلاد إلى حافة الإفلاس، إضافة إلى تعرض سيادة العراق إلى مخاطر جسيمة جراء العجز عن حماية الوطن رغم الامكانيات المالية الهائلة التي تم توفيرها لهذا القطاع. وجاء رد المرجعية بتوجيه نقد لاذع للحكومة ومطالبتها بإجراءات حاسمة وملموسة للحد من معاناة الوطن والمواطن، بمثابة حبل النجاة للحكومة لكي تتشجع في اتخاذ القرارات الصعبة. الرسالة الرابعة، هي أن معاناة الشعب العراقي والتحديات الأمنية والاقتصادية التي يمر بها حاليا، قد وحدت الطوائف والشرائح جميعها، تحت هدف وطني واحد هو الدفاع عن الوطن وحقوق العراقيين، وأثبتت أن الفشل الحتمي سيكون مصير كل محاولات تقسيم المجتمع العراقي التي يسعى لها بعض السياسيين وأطراف اقليمية ودولية لا تريد الخير للعراق وشعبه. إن الاختبار الحقيقي لحزمة الاصلاحات وجدواها، هو مدى قدرة حيدر العبادي على تطبيق القرارات التي أصدرها، مستفيدا من دعم ومآزرة الشعب العراقي والبرلمان والمرجعية الدينية، وفي تمكنه من تجاوز كل المعوقات والعراقيل والعصي التي سيضعها في عجلة الاصلاحات، المتضررون منها والذين كانوا وراء كل أزمات العراق وتدهور أوضاعه. مصطفى العبيدي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
يمكن ان تكون حزمة الاصلاح التي أعلن عنها حيدر العبادي وما سيتبعها من إجراءات جديدة، طوق نجاة لما تبقى من العراق الذي نعرفه، إضافة لكونها طوق نجاة للطبقة الحاكمة من المصير الأسود الذي ينتظرها، مصير، وبحسب أعداد لا يستهان بها من نخب المتظاهرين والثائرين، لا يستبعد منه القلع والخلع والملاحقة والاجتثاث! الوضع المسخم بكل أنواع العوادم المتراكمة من حرائق العراق منذ 2003 وحتى الآن، ومن دون بصيص أمل نحو تغيير جذري يأخذ بيد العراق من الدمار والانهيار والتفكك والفساد والتبعية إلى وضعه الطبيعي الذي كان حيث المقدمة في الصحة والتعليم والصناعة والزراعة والأمان وحيث النزاهة والدولة المهابة برغم عيوبها التي لا مجال للمقارنة بينها وبين عيوب عراق ما بعد الاحتلال وحكم اللصوص والحرامية والمتخلفين، جعل الناس تكفر بعمامة الدجالين وملالي الدين وبكل الكلام المعسول لافندية الاحتلال الذين اعتبروا العراق كمغارة علي بابا، كنز لا يغرف منه الا الذين آمنوا بتشريح العراق وتقاسم اعضائه وبيعها لجني المزيد من النعم، حلال زلال ، وكأن البلاد مسبية لا أهل لها، أو كما جاء بوصف محمد حسنين هيكل: العراق عبارة عن بنك سيطر عليه لصوص ليس لهم علم بالإدارة والسياسة! قبل تنظيم الدولة وبعدها الوضع من سيء إلى اسوء، بل ان نجاح التنظيم باقامة دولته على اكثر من ثلث أرض العراق لم يكن ليتحقق لولا درجة السوء التي وصل إليها الوضع العراقي، تشظي، وتفشي أفقي وعمودي للفساد، غياب الدولة وهيبتها، أحزاب ليست كالأحزاب فهي لا تعمل وفق قانون أو دستور لان الأخير علاوة على كونه حمال أوجه وفيه من الألغام ما يكفيه فانه ينفجر بوجه من يتجرأ على الدعوة لتصحيحه، لانها ستؤدي لانهيار التوافق الشيعي الكردي الذي ضمن تمرير نصوصه. نعم ان الأحزاب التي انجزت هكذا دستور وبوصاية امريكية لا تعمل إلا كمافيات وعصابات استولت على السلطة ولن تتركها لغيرها بغير قاعدة الإزاحة. اما الانتخابات فهي شكلية وتحصيل حاصل، السياسة لديها كالدين، والطائفية تجارة تدر مناصب ومنافع شتى، والمناصب ضمانة للمقاولات والعمولات والأتاوات. هكذا تداور الطبقة السياسية الجديدة امورها بين المال العام المنهوب والسلطة المنهوبة، لا رقابة ولا محاسبة، ديكورات واكسسوارات باسماء رنانة لمؤسسات خاوية لا معنى حقيقيا وفعليا لوجودها. برلمان وبنك مركزي ولجنة نزاهة وتفتيش مالي ومفوضيات مستقلة ووزارات تضاهي وزارات الصين بعددها، وانتخابات مزورة وكاذبة، وانحطاط شامل وكامل في بلاد لا يعطل أهلها عن الثورة العارمة غير سياسة فرق تسد التي يتبعها أمراء السلطة الجديدة وغير سياسة التجهيل والترويض وابتزاز العواطف المذهبية والمناطقية والاثنية وغسل الأدمغة! لقد طفح الكيل، 1000 مليار دولار دخلت العراق منها 800 مليار دولار كواردات للنفط و 200 مليار دولار كهبات خارجية، صرف منها 40 مليار دولار للكهرباء، كل هذا خلال 12 عام ، وحتى الآن فان البلاد تشكو من الانقطاع اليومي للكهرباء وبمعدل 15 ـ 20 ساعة، وتشكو من شحة المياه الصالحة للشرب، ومن انحطاط قياسي لكل الخدمات العامة، ومن نسبة بطالة تجاوزت 30 ٪ ، ناهيك عن تدهور كارثي في مجالات الصناعة والزراعة وكل مجالات الاستثمار المنتج. 148 مجموع مبالغ عقود التسليح والجيش لا يملك سلاحا، حتى ان الميليشيات الطائفية والاثنية تتفوق عليه بسلاحها، 25٪ من العراقيين تحت خط الفقر و 3 ملايين نازح ومهجر يعتاشون على مساعدات الإغاثة الأممية. كل المستشفيات والمدارس والمباني الرسمية والمتاحف والفنادق الكبيرة، والطرق والجسور والقصور والمعامل والمصانع الموجودة حاليا هي من مخلفات النظام السابق، ولم يثبت ان سرق أحد رموز ذاك النظام أمولا من الدولة وهربها خارج العراق أو امتلك أحدهم عقارات وشركات وبأموال الدولة خارج العراق، أو حرص أحدهم للحصول على جنسية غير عراقية، ولكن ومن الثابت الآن ان لأغلب رموز العملية السياسية الحالية اموالا مهربة للخارج وبالملايين ان لم تكن بالمليارات، وان لأغلبهم جنسيات أخرى وانهم وسلطتهم هدموا ولم يبنوا شيئا جديدا يذكر، بل انهم جعلوا من عقارات الدولة أملاكا لهم! «باسم الدين سرقونا الحرامية» هتاف عراقي يزمجر من البصرة إلى بغداد مرورا بميسان والناصرية والكوت والحلة والسماوة والديوانية والنجف وكربلاء. هتاف يختزل المشهد التراجيدي لشعب يتعرض لأبشع أنواع الابتزاز والتدجين والسطو والتغييب والمصادرة والتعذيب والتهشيم والتلويث والخداع. هتاف يصدح بحناجر وقلوب وعقول الملايين من العراقيين الذين هم مروعون بأرتفاع معدلات الخراب والدمار والقتل المجاني والنهب العمومي للثروة والسلطة كما هم مروعون بارتفاع معدلات درجات الحرارة المذيبة لكل طبقات العزل الصناعي التي حاول سراق الحكم والثروة في العراق جعلها غشاوة على أعين الناس لتسييرهم إلى حيث يريدون! «إشلون اتبايع حيدر وانت السارق بيت المال؟» هتاف آخر قيل في زمن المالكي وهو يسحب البساط من تحت أقدام المتاجرين بالدين والتمذهب الطائفي، وهو يخاطب أحزاب السلطة، كحزب الدعوة الذي يقوده المالكي، والمجلس الإسلامي الذي يقوده عمار الحكيم، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري وهكذا الحال لباقين من شلة شياطين الدين والمذهبية! الميزانية شبه خاوية وأسعار النفط منخفضة وتنظيم الدولة يستنزف ما تيسر له، وليس هناك ما يستر عورات السلطة القائمة من مليارات أوراق التوت أو أوراق الدولارات التي يمكن ان تسكن الحالة، بالرغم من ان الحكومة قد تملصت من مخصصات المحافظات الواقعة تحت احتلال تنظيم الدولة، وتحديدا محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار. لكنها مع نسب النهب والإهدار الجارية في كل الظروف وحتى بين ما يسمى فصائل الحشد وتسليحهم، في ورطة حقيقية، ومأزق نوعي لا تسعفه الاستدانة الدولية ولا حتى محاولات ترشيد النهب، وتقليص أعداد الفضائيين الذين تذهب رواتبهم لجيوب أحزاب السلطة! شحنة العبادي الاصلاحية والتي حثت عليها مرجعية النجف الشيعية لم تأت من فراغ، بل انها استشعرت المخاطر الجمة التي سيترتب على عدم الشروع بها لانقاذ ما يمكن انقاذه من افلاس وانكسار وبالتالي من سقوط محتم أما تحت حكم «داعش» أو تحت حكم ثوار ساحات التظاهر وما تفرزه من قوى فاعلة قادرة على استنهاض كل المستائين والصامتين والمترددين للخلاص من حكم اللصوص الذي نهب البلاد ودمر العباد. هذه الشحنة ان لم تتحول لتيار عالي الضغط فانها ستتلاشى وتتسرب في الجسد المسجى وهي ستلاقي مقاومة مخاتلة من الذين ستنقص مغانمهم وتتهدد مصالحهم على المديات المنظورة وغير المنظورة، برغم ترحيبهم المعلن بها! للأسف ان امكانيات التحول من اصلاح ترقيعي إلى اصلاح جذري يتطلع لقيام عملية سياسية جديدة تعتمد الوطنية في كل مفرداتها ودستورها، ضعيفة جدا ان لم تكن معدومة، لان العبادي ذاته مشبع حتى النخاع بفكرة الأغلبية الطائفية، وهو مكره أخاك لا بطل، بسبب ضغوط الحراك الشعبي من ناحية وبسبب الانسداد الذي تواجهه السلطة القائمة بكافة مفاصلها. وحتى المرجعية التي تضغط باتجاه الاصلاح فانها تريد منه ان يستبقي السلطة في مسارها الحالي والتي تفترضها مؤبدة بيد قوى الطائفة السياسية والتي يستحيل ان تمكن غيرها منها. وعليه ستكون قوى الحراك الشعبي هي الوحيدة القادرة على التغيير الجذري وعلى خلع قوى السلطة الباغية، وان اعتمدت اسلوب التدرج والاســتـــدراج المرحلي، وهو ما يتطلب شـــروطا موضوعية وذاتية متطابقة لتحويل شــحنة الاصلاح إلى تيار صاعق وبضغط عالي! ما يبعث على التفاؤل هو تسارع التطورات المحلية والاقليمية والدولية التي تمنح فرصا ربمــا تكون مؤاتية لهذا التظافر المؤدي إلى افراز كيفي ينتج سلطة جديدة شكلا ومضمونا، من رحم هذا الحراك الشعبي الذي لن يموت أبدا. جمال محمد تقي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
اربيل ـ «القدس العربي»: بالرغم من التأييد الذي أعلنه التحالف الكردي لحزمة الاصلاحات التي قررها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلا ان حالة القلق والخشية من المساس بالمصالح والمناصب تبدو واضحة في تصريحات الكثير من المسؤولين الأكراد الذين يرفضون تغيير واقع الحال العراقي المبني على التوافقات السياسية والتوازنات المجتمعية بين المكونات والطوائف. وبموجب الدفعة الأولى من قرارات الاصلاح التي أصدرها العبادي فقد خسر الأكراد منصب نائب رئيس الوزراء الذي كان يشغله روز نوري شاويس القيادي في الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه رئيس أقليم كردستان مسعود بارزاني. ويرى البرلماني الكردي عرفات كريم ان الاصلاحات التي أقدم عليها رئيس الوزراء حيدر العبادي جاءت لإنقاذ حكومته من شعارات أكثر حدة كان سيتم رفعها في التظاهرات المقبلة، مبيناً أنهم يؤيدون وبقوة محاربة الفساد ولن يعترضوا على تقديم أي وزير أو مسؤول كردي يثبت تورطه في الفساد أو يتهم بالتقصير في إدارة منصبه. ويوضح في تصريح لـ «القدس العربي» ان التحالف الكردستاني صوت في البرلمان لصالح تمرير ورقة الإصلاح بصيغتها العمومية ولكنه سيبدي العديد من التحفظات على التفاصيل التي ستتم مناقشتها لاحقاً، مبيناً ان العبادي كان عليه ان يتشاور مع الآخرين بشأنها. واشار كريم إلى ان الوضع العراقي بعد عام 2003 تم بناءه على أساس التوافقات السياسية والتوازنات المجتمعية فضلاً عن المواد الدستورية، مشيراً إلى ان تحقيق الاصلاح ممكن بدون اللجوء إلى الترشيق الحكومي لأن منظومة المناصب قائمة على التوافقات والتفاهمات السياسية. وفي السياق يؤكد المحلل السياسي الكردي آراس جميل ان اعفاء مسؤولين أكراد من مناصب في الحكومة المركزية من شأنه التأثير سلباً على حصص الأحزاب الكردية التي تتقاسم هذه المناصب. ويبين في اتصال مع «القدس العربي» ان الأحزاب الكردية الأساسية وهي الديمقراطي والاتحاد الوطني والتغيير والجماعة والاتحاد الإسلامي تتقاسم مجموعة مناصب منها رئاسة الجمهورية ونائب رئيس الوزراء ومجموعة وزارات، لافتاً إلى ان الحزب الديمقراطي يعد أكثر المتضررين بعد إعفاء مرشحه من منصب نائب رئيس الوزراء. ويتابع المحلل الكردي ان هناك خشية وقلقا داخل هذه الأحزاب من التوسع في قرارات الاعفاء من المناصب والتي قد تطال وزارات ومسؤولي دوائر مهمة وهو أمر سينعكس بشكل سلبي على عموم العلاقات بين حكومتي بغداد واربيل والتي تسودها بالأساس حالة من التوتر على خلفية المشاكل المالية والإدارية بين الطرفين. ويضيف جميل ان القادة الأكراد يتفهمون حجم الضغط الجماهيري الذي يتعرض له العبادي ولكنهم في الوقت ذاته لن يذهبوا بعيداً في تأييد قرارات تمس المكتسبات التي حصلوا عليها ومنها تقليص حصتهم في مناصب الحكومة المركزية تحت لافتة محاربة الفساد، مضيفاً ان هذه الحرب يجب ان تكون مبنية على أساس تشخيص الفاسد ومعاقبته وليس بالاعفاء الجماعي. وعلى مستوى الشارع الكردي فإن عموم المواطنين يرون[/size]