لا تزال السلطات المغربية تتجاهل متعمدة قضية تلقّي ثلاثين شاباً يهوديا مغربياً تدريبات عسكرية لمدة شهر في إسرائيل. في الجهة الأخرى، اشتعل جدل بين «الوكالة اليهودية» و»وزارة الدفاع» الإسرائيلية حول القضية، ويدور هذا الجدل حول «سلامة المشاركين في الرحلة»، حسب قول الوكالة التي انتقدت إصدار الوزارة بياناً صحافياً إلى وسائل الإعلام عن تلك الدورة العسكرية، وطالبت «الجمعيات المنظمة لمثل هذه الرحلات»! بتحويل اهتمامهم نحو أهدافهم الرئيسية، وبأن «يفهموا متى يكون إعلان أنشطتهم قد يتسبب في أذية المشاركين فيها». الصمت الرسميّ المغربي هو صمت غريب ويثير الأسئلة، ولا يستقيم لا منطقاً ولا شرعاً، بل إنه يعطي القضية دلالات فضائحية أكثر مما يخفف من مفعولها لأنه يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها. السكوت الرسمي المغربي قد يفسّر تفسيرين لا يسرّان صديقاً: الأول هو أن وراء القضية «جهات سيادية» أعلى من إرادة الحكومة المغربية، وهذا يرفع سقف المسألة من فرضيات استغلال إسرائيل لوسطية واعتدال المغرب، وتعامله بأريحية مع يهوده، إلى فرضيات أخرى تصبّ في صالح تل أبيب ولا تفيد الرباط بالتأكيد. والتفسير الثاني هو أن الحكومة المغربية تورّطت في الموافقة على سفر الشبان المغاربة على أمل أن يبقى الأمر في إطار ضيّق أقرب للموافقة على رحلة سياحية منها إلى المصادقة على إعلان استقالة من سيادة المغرب على مواطنيه، وقد جاءت التصريحات الإسرائيلية حول «خطر يهدد سلامة الطائفة اليهودية» لتوقع هذه الحكومة في ورطة حقيقية. منظمات حقوق الإنسان المغربية انتبهت إلى المفارقات الكبيرة التي يحملها الخبر وطالبت رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بن كيران بفتح تحقيق في الحادثة، كما طلبت منه التعامل مع هؤلاء الشبان مثل «المقاتلين العائدين من داعش»، وهو أمر صحيح بالقياس المنطقيّ، ولكن، على ما يظهر، لا يعود القانون ولا المنطق قابلين للقياس طالما يتعلّق بإسرائيل واليهود حتى لو كانوا مواطنين مغاربة. من المعروف جيدا وجود شعور شعبي مغربي عارم بالتعاطف مع الفلسطينيين وبالعداء لإسرائيل، وقد تعايش هذا الشعور دائماً مع احترام شعبي ورسمي حقيقي لمواطنية اليهود المغاربة ولدورهم التاريخي في البلاد، بل إن هذا الاحترام والعقلية الوسطية والتسامحية المغربية امتدت لتحتوي يهود العالم الراغبين في السياحة في المغرب وزيارة مدنها ذات الصلة بأسلاف لهم هاجر مئات الآلاف منهم، جنباً إلى جنب مع المسلمين، هرباً من قرون الاضطهاد في اسبانيا بعد سقوط الأندلس، وقد وظّف المغرب هذه المشاعر وهذه الصلات توظيفا إيجابياً يعود بالنفع على المغرب والمغاربة ومن دون التصادم مع المواقف الشعبية والرسمية المناصرة لفلسطين والفلسطينيين. لا يبدو مفهوماً أبداً أن يقوم ثلاثون شاباً مغربياً بالتدريب العسكريّ في إسرائيل، فأين سيستخدم هؤلاء الشبان خبراتهم العسكرية تلك، وهل ستوظّف لصالح المغرب أم أنها ستكون هامشاً احتياطياً في «جيش الدفاع الإسرائيلي» يتم استخدامه في الوقت المناسب وفي المكان المناسب؟ للأسباب الآنفة الذكر كلّها نجد أن كشف الحكومة المغربية لحقائق هذا الحدث ووقفها هذه الرحلات الغامضة ضروري وواجب مغربي قبل أن يكون عربياً أو دعماً لفلسطين. رأي القدس [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تتحقق الديمقراطية الحقة عندما تقوم على المبادئ الانسانية التي لا تخل بحقوق الأقلية وترعى مصالحها وتنظر بكل جدية لضعفها في المجتمع. لا شيء يمكنه أن يشوه الديمقراطية مثيرا زوابع الغضب في صفوف الشعوب مثل غياب حقوق الأقلية، وإن كان تعريف الأقلية مهم اليوم في شرقنا الأوسطي، حيث لم تعد الأقلية وصفا لعدد فقط، بل لقدرة سياسية وتمكين سلطوي، أو في الواقع لغيابهما، كما هو الحال مع «الأقلية» الشيعية البحرينية و»الأقلية» السنية السورية والليتن هما في الواقع الأكثر عددا من «الأغلبية» السلطوية الأقل عددا في البلدين. كتب الدكتور شفيق الغبرا مقالا مهما حول قضية التهميش الذي يصيب هذه «الأقليات» في جريدة «الحياة» في 13 أغسطس/أب بعنوان «المهمشون في معارك الدول العربية» يعرف فيها المفهوم قائلا «يقع التهميش عندما تشعر فئات من المجتمع بأنها تعاني من التمييز بسبب الخلفية الاجتماعية والعائلية أو القبلية أو الدينية والطائفية أو الجنسية (المرأة) أو الاقتصادية والجهوية والمناطقية والعمرية». يؤكد الدكتور أن هذا الشعور بالتمييز اذا ما تداخل «مع عوامل اجتماعية ودينية وعمرية ومناطقية، يتحول إلى قنابل موقوتة لا يمكن الا أن تنفجر في وجه النظام السياسي». والتهميش، كما يراه الدكتور، يعني حرمان الفئة المهمشة من المشاركة في العمل السياسي، من مميزات العامة، من العيش في مناطق معينة، من العمل في مواقع معينة، من الاهتمام بشؤونها ومصالحها كما شؤون ومصالح العامة. هذه العملية ستخلق «مشكلة أعظم للنظام السياسي»، حيث يرى الدكتور أن المرتبط بالقوى المهيمنة سيشعر بملكيته للدولة وغير المرتبط بها سيشعر بـ«الغربة والانزواء عن الدولة ومؤسساتها». لطالما كنت أعتقد بأننا نتحمل مسؤولية الأغلبية الغالبة من مشاكلنا وما تفرزها من تشكيلات متطرفة عنيفة. فأنظمتنا الشمولية القائمة على التمييز والتهميش تجاه شعوبها تخلق ليس الغاضبين المسالمين فقط، كما يقول الدكتور الغبرا، ولكن كذلك تخلق «الانتحاريين والمفجرين في الجانب العنفي». فحتى الانسان المنتمي لعائلة مرموقة، كما يدلل الدكتور، والمستريح ماديا، إذا ما شعر بالتهميش بسبب انتمائه العائلي أو الطائفي وما يترتب على ذلك من منع المواقع المهمة عنه والتشكيك في وطنيته سيتعايش «مع تهديد وربما إذلال، ولا يشعر بنعمة الأمن التي يشعر بها الآخرون» وعليه يتجه إلى «ضمانات وشراكات غير عادلة» ليضمن حقوقه، فتتأسس الطائفية والقبلية والفئوية على أسس منيعة يصعب إزالتها فيما بعد. يقول الدكتور أن هذا التهميش يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة اذا ما شعر المهمشون بالتحدي، كما أن التهميش هو ما يؤسس للنظام السياسي التالي وإلى «نشوء دور المهمشين» ويضرب أمثلة على ذلك من تاريخنا العربي الحديث حيث «برز العلويون من المهمشين في الجبال كما الناصريون والتكارتة من الريف، أما الشيعة في العراق فبرزوا من صفوف المهمشين في زمن البعث، وسنة العراق يثورون اليوم من جراء تهميش ما بعد 2003، وبرز «حزب الله» من قاعدة تهميش الشيعة في لبنان، وكذلك الحوثيون في اليمن، والجنوبيون في عدن وغيرهم. كانت تلك فئات قد همشتها أنظمة سابقة لم تعد قائمة اليوم». يؤكد الدكتور أن الخطورة تمكن في روح الانتقام التي تصاحب المهمشون في رد فعلهم عند وصولهم إلى سدة السلطة مما يخلق لهم الفرصة «لظلم فئات ارتبطت معنويا وسياسيا بالنظام القديم». هذا المشهد: التهميش، الغضب، الثورة، الاستحواذ على السلطة، ثم العودة لتهميش السلطويين السابقين هو مشهد متكرر في العالم العربي على وجه التحديد، وان كانت إيران، كما ذكرها الدكتور، هي مثال غير عربي واضح جدا على هذه الدورة السيئة. هذا الحالة التهميشية المستمرة تضعف من الداخل الوطني في مقاومة الأنظمة الارهابية العنيفة، حيث يتساءل الدكتور «كيف يمكن لمجتمع فيه نسب عالية من المهمشين وتنقصه الحريات والقيم الحرة والضمانات الحقوقية، أن يقف صفا واحدا في معركة ضد العنف والإرهاب في المجتمع؟» ينحو المهمشون إما لاستمرار تهميشهم، فبما أنهم مهمشون في المصالح، فالكثير منهم سيصرون على البقاء مهمشين في الصراع والمقاومة وسينحون إلى الصمت أو المقاومة السلمية التامة حيث أن «قطاعا كبيرا من المجتمع لا يعتبر المعركة معركته حتى لو لم يعلن ذلك،» في حين أن البعض منهم ينحون إلى «صف العنف والتدمير» كما يرى الدكتور. لابد من تحقيق قيم العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية غير الإقصائية، لا بد لنا أن نخرج من نظام الشورى النخبوي الذي يعلي الأغلبية ويهمش الأقلية إلى نظام الديمقراطية العادلة الانسانية التي تعلي الحق الانساني على القرار الجماعي. وبغير ذلك، سنبقى ندور في دائرة التهميش التي لا تفرز سوى المزيد منه. «الدولة المحايدة ما زالت في مقدمة الحلم العربي الصاعد» كما يرى الدكتور، فمتى يصبح الحلم حقيقة؟ د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
المشهد الذي تتناقله المحطات الفرنسية مؤخرا معروف جدا ومألوف ينقلنا من جو الطائرات والرهائن إلى القطارات السريعة. هو فيديو مصور عن طريق الموبايل والغرافيك وأيضا عن طريق كاميرات المراسلين المتخصصة. مشهد من فيديو يظهر فيه القطار السريع «تاليس» المتنقل ما بين باريس وأمستردام، يستقل القطار وكالعادة شاب إرهابي «ذو بشرة سمراء» ومن أصل «مغربي» ويحمل في يديه حقيبة مليئة بـ«الأسلحة»، ليفرغ رصاصاتها في الركاب الأبرياء ويرتكب مجزرة جديدة ويعيد للإذهان أحداث «شارلي إيبدو» الأخيرة. الشاب المغربي تعرف عنه المحطات بأنه من المسلمين «المتطرفين» و«المتشددين». وكغيره من ذوي «البشرة البنية» مراقب من قبل المخابرات الفرنسية والأوروبية والأمريكية والصينية و..و…. يخرج الشاب السلاح ويوجهه باتجاه الركاب لينقض عليه شباب أمريكيون و«يبطحوه» ويطيحوا به أرضا. أنقذ الأمريكان الركاب من «مجزرة»، وتناولت المحطات الخبر لتتناقله وسائل التواصل الإجتماعية «تويتر» و«فيسبوك» كالنار بالهشيم. قامت فرنسا ولم تقعد وعاد الفرنسيون إلى تلك الذكرى حين أنقذهم «الأمريكان» خلال الحرب العالمية الثانية. تحدثت المحطات عن «تمجيد»، وعبر الرئيس الفرنسي عن «امتنانه»، وأرادت رئيسة تحرير مجلة «هي» الفرنسية أن تزيد الطين بلة فغردت «إركبوا في قطار تاليس وتحدوا الرغبة في تفحص وجوه الشباب ذوي البشرة السمراء والذين يحملون حقائب، يوجد منهم الكثيرون» أملا منها بأن لا تنتشر الـ«بارانويا» الموجودة أصلا ومنذ فترة ضد الشباب العرب. أما وزير المواصلات الفرنسي فلم «يستح» وصرح ومن دون «خجل» بأنه لا بد من «الوقاية» وذلك من خلال الـ«تفتيش العفوي» حيث يفضل «معالي الوزير» بأن يطبق سياسية التمييز عند التفتيش ورغما من الضجة التي أحدثها «تصريحه» للوقاية من العمليات الـ«إرهابية»، طبعا لا داعي للشرح في ما يتعلق ومن يقصدهم الوزير بـ»التمييز». الأمريكاني «حامي» و«شجاع» والفرنسي «بارد» و»بليد» من محطة لأخرى وسواء نقلا عن القنوات الأرضية أم الفضائية وقنوات «التي.إن.تي» فإنها اجتمعت جميعها على حقيقة جديدة وتجرأت في أن تكمل «مشهدا» جديدا من سلسلة المشاهد الإرهابية الأخيرة. الإعلام الفرنسي أعلن عن انحيازه التام وإعجابه الأعمى بما قام به أفراد من «الجيش الأمريكي» عندما «بطحوا» المجرم المغربي أرضا. لم يكتفوا بالإعجاب من خلال عبارات «الشجعان» و«لقد ضحوا بحياتهم» «نشكر الله بأنهم كانوا على متن القطار». عبارات رددها الإعلام الفرنسي الذي سارع في نقل الخبر على أنهم «أبطال أمريكان» لتصل إلى تهنئة شخصية من «الرئيس أوباما» لجنوده، وازداد عدد الأبطال المعلن عنهم عبر المحطات عند تغطية الـ«حدث» من إثنين إلى أربعة ويكون في ما بينهم «بريطاني» ليتبدل الحال ويصبح العرض الإخباري من «ثلاثة أمريكان» إلى «أمريكان وبريطاني» ينقذون ركاب القطار من «مجزرة محتمة»! المحطات جميعها تحدثت عن «أبطال أمريكان» لتتناقل وسائل الإتصال الإجتماعي «ستيتاسات» على صفحات «فيسبوك» و«تغريدات» على «تويتر» لفرنسيين «منفعلين عاطفيا» وأصبحوا يغردون «لو كانوا فرنسيين لداروا بوجوههم» و«هربوا»، وأكدوا أن الأمريكان «دمهم حامي» و«شجعان» مقارنة بالفرنسيين «الباردين» و»الجبناء». جرت حمى «الحب الأمريكي » من محطات إلى صفحات ومواقع الشبكة العنكبوتية حتى يأتي «الخبر اليقين» ويبدد الـ«حب الأعمى» ويعرض الحقيقة بأن أول من حاول منع الـ«إرهابي» من ارتكاب جريمته ومجزرته هو «فرنسي» كان يريد استخدام «التواليت» فلمح السلاح وابتدأ في محاولة منع الجاني من ارتكاب الجريمة، وليس «الأمريكان» الذين انتقلوا من «عربتهم» لعربة أخرى بحثا عن «الوايفاي». وكشف وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازينوف عن الأمر وأخبر الجميع بأن المسؤول الأول والمدافع الأول هو في الأصل فرنسي وبأن الفرنسيين «شجعان». ويبدو أن الفرنسيين تناسوا تماما شجاعة «الأمريكان» في ضربهم واستهداف قناصتهم لسود أمريكيين مؤخرا وأصبحوا مولعين بهم من دون تفكير أو انتظار التحقيق في ما حدث فعلا. اليمين المتطرف الأكثر تغريدا وسرعة في نشر ما حدث! مع كل واقعة «إرهابية» تحدث في العالم ويكون المشتبه «التلقائي» والمعتاد عليه «عربيا» تسعد عائلة لوبين من الجد والإبنة والحفيدة والأصدقاء لما سيحققه العمل الإرهابي من «أصوات» ستصب لصالحهم. تأتي الوليمة لطاولة العائلة على طبق من ذهب. هم من أوائل من يعجبون بالعمل الإرهابي بدلا من الشعور بالضيق. فهم وأخيرا سيؤكدون لمنتخبيهم والمترددين في إنتخابهم بأن أصل الخراب هم «العرب» والـ«العرب المسلمين» تحديدا. وهم من أوائل الأحزاب الفرنسية السياسية وأكثرها مِن مَن قاموا بنشر ما حدث ليس من خلال نقلهم لتغريدات بعنوان «تفادي مجزرة» و«شجعان أمريكان» و«فرنسيين جبناء» بل «عربي ومسلم» «مغربي ومهاجر» و«الإرهاب الإسلامي» يتفشى في فرنسا. هم كالعادة يستخدمون ما يحدث وبكل سهولة وسلاسة ليضموه إلى صالحهم وفي ملعبهم السياسي. حرق «مسجد» في «أوش» كما في كل مرة أتحدث فيها عن شؤون المهاجرين وخاصة في ما يتعلق بالجاليتين العربية والمسلمة، أحاول ما استطعت فضح ما سأسميه بـ «جرائم إسلاموفبية» تمر وبسلام في فرنسا ومن دون أن تحدث ضجة وكأنها ردود فعل طبيعية لما يقوم به «عرب» من عمليات قتل إرهابية. تم إحراق مسجد في «أوش» في منطقة «الجيرس» الفرنسية وصرحت الجهات المسؤولة أن الحريق حدث لغرض متعمد و«إجرامي» وأتى كنتيجة لردة فعل عما حدث في قطار تاليس. أولاند استنكر العمل ووصفه بـ«التهديد» لقيم الجمهورية وبأن المسلمين من الفرنسيين يحق لهم ممارسة دينهم بكل «حرية» و«أمان». ما بين تصريحات الحكومة الفرنسية وما يحدث على أرض الواقع فرق كبير. فأولاند يتحدث عن «حقوق» و«أمان» وفالس يتحدث عن إغلاق «مساجد سلفية». مهما صرح أولاند فإن الإعلام الفرنسي لن يتوقف عن صب البنزين على النار وبدلا من الحديث عن فرنسيين عرب وعن إنجازاتهم في المجالات الثقافية والسياسية والإقتصادية وأهمية وجودهم وإندماجهم في المجتمع الفرنسي يتم الحديث دائما وباستثناء البعض عن «أعمال فردية» كونها تمثل «جالية» مسلمة وعربية. ليس هذا فقط بل يتم الخلط وتشويه المصطلحات ليتحول «الفرنسي العربي» إلى «مهاجر مسلم» يجلب المشاكل والإرهاب إلى فرنسا. يتناسى الإعلام والمحطات التلفزيونية حقيقة كون الجميلة «إيزابل أدجاني» فرنسية جزائرية وحقيقة تمثيلها لأجمل الأدوار السينمائية لشخصيات فرنسية مهمة كـ«الملكة مارغو» و«كامي كلوديل». تتناسى المحطات الحديث عن شخصيات عربية بارزة كنجاة بلقاسم والوزير السابق عزوز بقاق. إن تجنب الحديث عن مثل هذه الأمثلة والمشاكل التي يواجهونها بسبب كونهم «عربا» لا يدل إلا على سياسة إعلامية مقصودة لا تريد أن تقوم بعمل مهني في ما يخص الـ «إختلاف» والتفريق بين الحالات الفردية والمكون الجمعي. كاتبة فلسطينية تقيم في باريس أسمى العطاونة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في إقليم كردستان العراق، ثمة هذه المفارقة الراهنة: بعض المواقع التابعة لحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» تنشر شريط فيديو قديماً، لحوار مع مسعود البارزاني، رئيس الإقليم وزعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، يثبت أنه تلقى العون من صدّام حسين لاستعادة إربيل من الاتحاد الوطني، خلال الحرب الأخيرة بين الحزبين. في المقابل، وعلى سبيل الردّ، تنشر بعض المواقع التابعة للحزب الديمقراطي صور الخصوم من قادة الاتحاد الوطني، والأعلام الإيرانية ترفرف فوق رؤوسهم، في إشارة مبطنة إلى عمالتهم لطهران. هذه محض واجهة إعلامية، بالطبع، لصراع سياسي وحزبي وبرلماني، يحتدم منذ شهرين على الأقلّ، حول المخارج المقبولة من الطرفين الرئيسيين (ومن حلفائهما، في الأحزاب الصغيرة وممثلي الحصص الإثنية، داخل برلمان الإقليم) لمعالجة الفراغ الرئاسي الذي نجم عن انتهاء ولاية بارزاني، بحلول يوم 20 آب (أغسطس) الراهن. خلاصة المأزق هي التالية: لا تسمح القوانين المعمول بها في الإقليم بإعادة انتخاب بارزاني لولاية ثالثة، بعد ولاية أولى سنة 2005 عن طريق الانتخاب داخل البرلمان؛ ثمّ ولاية ثانية، سنة 2009، عن طريق الانتخاب المباشر؛ والتمديد له لمدة سنتين، بعد تعذر التوافق بين الحزبين الرئيسيين على تنظيم استفتاء شعبي حول مشروع الدستور الجديد. من جانبه كان بارزاني قد أعلن، مراراً في الواقع، أنه لن يقبل برئاسة مدى الحياة، ولكنه يشترط التوافق على مبدأ انتخاب خلفه، وهل سيتم في البرلمان أم في صناديق الانتخاب الشعبي (وأمّا حزبه فإنّ سلوكه الإجمالي لا يخفي الرغبة في التمديد لزعيمه حتى انتخابات 2017). خصومه، على الضفة المقابلة، وفي الاتحاد الوطني خصوصاً، بالتحالف مع لائحة «التغيير» وبعض الإسلاميين، يستندون على قوانين مرعية تقضي بأن يتولى رئيس البرلمان، يوسف محمد، رئاسة الإقليم لمدة 60 يوماً، حتى يتمّ التوصل إلى حلّ (أي، من وجهة نظرهم: تعديل معظم صلاحيات الرئيس السيادية، وتحويل الرئاسة إلى منصب فخري على الطريقة العراقية الراهنة). وجهة أخرى للمشكلة تتمثل في طبيعة التوازنات داخل برلمان الإقليم، لأن مقاعد الحزبين وحلفائهما شبه متقاربة، ولا تسمح لأيّ منهما بإحداث اختراق حاسم، سواء في تعديل الدستور أو انتخاب الرئيس: حسب انتخابات 2013، حصل الحزب الديمقراطي على 38 مقعداً، لكنه يضمن 14 مقعداً إضافياً، ضمن تحالفاته مع ما يُسمّى «حصص الكوتا»، الممنوحة للتركمان والمسيحيين والأرمن، فضلاً عن الشيوعيين؛ وأمّا الاتحاد الوطني فإنه، مع حليفه «لائحة التغيير»، يمتلك 42 مقعداً؛ الأمر الذي يُبقي ترجيح الكفة في عهدة ثلاثة أحزاب إسلامية، تمتلك 17 مقعداً. وليس من الواضح، حتى الساعة، إذا كانت هذه الفئة الثالثة ستتخذ موقف انحياز تاماً إلى أحد الطرفين، أم أنها ستشكّل قوة ثالثة ضاغطة، وطامعة في تنازلات هنا أو مكاسب هناك. فإذا بدا هذا الخيار معطلاً عملياً، فإنّ بديله المتمثل في الانتخاب المباشر لن يكون في صالح الاتحاد الوطني، لأنّ مرشح حزب بارزاني (بافتراض أنه، بالفعل، لن يترشح شخصياً) سوف يستمدّ شعبيته من شعبية آل البارزاني، وبالتالي سوف تؤول الرئاسة مجدداً إلى الحزب الديمقراطي. الوجهة الثالثة للمأزق قد تكون الأخطر، أي إعادة إنتاج أجواء العداء المشحونة بين الحزبين الرئيسيين، وتطوّر النزاع إلى مواجهات عسكرية تذكّر بماضٍ بغيض دامٍ، سقط ضحيته آلاف الأكراد، وتشرّد عشرات الآلاف، ودُمّر عمران، ونُسفت أواصر أهلية، وتمزقت روابط وطنية… ولقد تردد أن بارزاني اضطر إلى التدخل شخصياً، مؤخراً، لمنع وحدات حزبه العسكرية من ممارسة استعراض العضلات في مدن وبلدات الإقليم؛ الأمر الذي لم يكن في وسع الاتحاد الديمقراطي إلا أن يردّ عليه، حفظاً لماء الوجه في أقلّ تقدير. فإذا استذكر المرء أنّ وحدات البيشمركة الكردية، أي جيش الإقليم الرسمي، تخوض حرباً متواصلة مع «داعش»، على امتداد مناطق شاسعة يسيطر عليها تنظيم الدولة؛ وأنّ بعض هذه الوحدات ساعد، أو ما يزال يساعد، الأشقاء الكرد السوريين في كوباني وسواها، على خلفية متفجرة هي حرب تركيا ضدّ الـPKKK؛ فإنّ فتيل تجدد الحرب الأهلية في الإقليم، بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لا ينقصه إلا عود ثقاب واحد، أو شرارة من نيران الحرائق المتأججة هنا وهناك. ولكن… أين الديمقراطية، في غمرة هذه الاعتبارات؟ أو، بالأحرى، ما الذي سوف يتبقى من وعود الحرية والديمقراطية والعدالة، التي اقترنت بانتفاضة الكرد في العراق، وأعلن عنها مسعود بارزاني نفسه، صحبة شريكه «مام جلال» الطلباني، سنة 1991، في اجتماع كويسنجق الشهير؟ ألا تبدو القيادات الكردية وكأنها تواصل اقتراف المزيد من الأخطاء القاتلة، وبالتالي المزيد من خيانة آمال الجماهير الكردية؛ حين تنزلق حثيثاً نحو منظومة مآزق تهدد معظم المكتسبات السياسية والاقتصادية والمدنية والثقافية التي نالها كرد العراق طيلة العقود السابقة، وفي إطار الحكم الذاتي بصفة خاصة؟ ألا يتضح مجدداً، أو كلما نشب نزاع في الواقع، أنّ توحيد المناطق الكردية ما يزال شكلياً بصفة عامة، وتتعثر كثيراً جهود تفعيله على الأرض وفي سياقات الحياة اليومية؛ مما يردّه إلى التقاسم القديم، إياه، بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي؟ هذه أسئلة لا يجوز فصلها عن حقائق الواقع الفعلي للحياة الديمقراطية في الإقليم، إذْ لم يعد خافياً أنّ بعض الأجهزة في السلطة الكردية باتت تميل، أكثر فأكثر، إلى الاستبداد والقمع ومصادرة الحريات العامة وقهر الرأي الآخر؛ على نحو يذكّر المواطنين الكرد بأسوأ ممارسات الأجهزة الأمنية في عهد صدّام حسين. يُضاف إلى هذا ما يتردد على نطاق واسع، وفي أوساط الأكراد أنفسهم قبل الآخرين، عن شيوع الفساد داخل مختلف أجهزة الحكم الذاتي، بحماية مباشرة وتشجيع صريح من القيادات السياسية للحزبين الرئيسيين. وغني عن القول إنّ هذه الظاهرات تُلحق بالشعب الكردي أذى مزدوجاً، في الداخل على صعيد عرقلة تطوير الحكم المحلّي والمساعي الديمقراطية الوليدة؛ وفي الخارج من حيث إضعاف هذه التجربة في أعين العالم، خاصة بعض الدعم الأمريكي والغربي الواسع الذي حظيت به وحدات البيشمركة. مدهش تماماً، ومحزن أيضاً، أنّ آلاف المواطنين الكرد في بلدة حلبجا، هذه التي قُصفت بالأسلحة الكيماوية سنة 1988، تعرّضوا لتنكيل شديد من سلطات إربيل، لمجرّد خروجهم في تظاهرة سلمية احتجاجاً على الفساد وسوء الإدارة وانحطاط الخدمات. وفي ميدان الحرّيات العامة، ولكن في جانب ثقافي وإنساني بالغ الحساسية، ثمة تقارير مقلقة تذهب إلى درجة الحديث عن مظاهر قمع بعض اللهجات الكردية، لصالح اللهجة الطاغية في كردستان العراق، أي السورانية. وليس بعيداً ذلك الزمن الذي شهد اضطرار عدد كبير من الكتّاب والمثقفين والصحافيين الكرد، بينهم نسبة طاغية من الكرد السوريين، إلى مناشدة مسعود البارزاني كي يضع حدّاً لمحاولات إيقاف تعليم وتدريس اللهجة الكرمانجية (التي، مع ذلك، تعتبر لغة غالبية عظمى من الأكراد، قد تبلغ 70٪!). وجاء في النداء: «إننا نعتبر ذلك خطوة خطيرة إلى الوراء، وستلحق ضرراً بالغاً بالتواصل اللغوي والثقافي الكردي ـ الكردي، كما أنها ستكون سبباً لتعميق التشرذم الكردي وازدياد الحواجز بين أبناء الشعب الواحد الموزع بين أربع دول». وإذ تتعاظم تعقيدات المأزق، يبدو نهار الأحد القادم، موعد اجتماع الأحزاب في الإقليم للتوصل إلى مخرج، وكأنه محض بصيص ضوء ضئيل، في آخر نفق طويل، داكن العتمة. ٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس صبحي حديدي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في الثالث والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1963وبعد وصوله من بيروت لبغداد براً طلب قدحاً من الماء الساخن لحلاقة ذقنه، وقبل وصول الماء سقط مغشياً عليه، ثم فارق الحياة والنَّاس ومحبيه. صرخات من هنا ومن هناك تجمع الجيران، وما هي إلا دقائق حتى أصبح الخبر منتشراً في كل أرجاء بغداد، بشكل ربما غير مسبوق. لأسباب عديدة؛ أهمها أنه نجم العراق الأول حينها وبلبله العذب، كان يتمتع بطّلة وحيوية لشخص في كامل عافيته ولياقته، ولم يكن يشكو من أي أمراض أو أعراض، بل على العكس تماماً، كان متوهجاً جداً في حفل بيروت، وحين عاد مع فرقته بعد حفل ناجح كان بصحبته طيلة الطريق الى البيت الفنان الكبير عازف القانون سالم حسين، الذي يعيش حالياً في بلجيكا، وحدثنا عن تلك الرحلة قائلاً، لم أتخيل ولم أستطع أن أصدق أن المتحدثة على التلفون من بيت الفنان الذي أوصلته منذُ نصف ساعة الى بيته تقول لي الحقنا أستاذ سالم، لقد سقط ناظم ولم يتحرك. بعد دقائق كنّا مجموعة من فرقته وأصدقائه وعائلته في لحظة ذهول فقد هوى النجم الجذاب. لم يصدح صوته ثانية، لم نعد نتمتع بحضوره الجميل والتلقائي على المسرح، انتهىت قصة نجاح مغن منح المقام العراقي والأغنية حضوراً غير مسبوق، حضوراً متجدداً في حفاظ على جوهر المقامات العراقية مع لمسة حداثة في الشكل والإتقان. ظهرت أقاويل كثيرة عن سبب رحيله المباغت، لكن لم يكن أيها صحيحاً، سكتة قلبية أودت بحياته بدون مقدمات وأنهت حياة إنسان جميل وفنان نادر. قطعت الإذاعة العراقية بثها لتعلن خبر رحيله، الذي أصاب العراق والعالم العربي بالحزن والذهول لفقدانه المبكر. ما قدمه الراحل ناظم الغزالي للأغنية والمقام العراقي يُعد مساراً غير مسبوق مع جمال وعذوبة صوت وحنجرة تستقبلها الأسماع بجاذبية وقبول من دون تكليف. جاء للغناء عبر مسرح فنان مسرحي وقطب ثقافي عراقي اسمه حقي الشبلي، وفي مسرحية مجنون ليلى للشاعر أحمد شوقي، الذي منح له حضوراً وإطاراً يجعل ضمان وصول صوته الصّداح إلى جمهور ذواق وكبير من صفوة محبي إبداع حقي الشبلي وفرقته التي سماها «الزبانية»، لكن حلم الفنان كان أكبر، فقد قرر هجر المسرح ليؤسس مشروعه الغنائي الذي كان يراه في أحلام يقظته، لم يكن يريد أن يكون ظلًّاً لكبير، كان يريد أن يكون كبيراً صاحبا لظل او ظلال. لكن عناصر الصورة لها أبعاد، وكلما كانت متعددة ومدروسة بعناية تكون الصورة أجمل، لذلك استعان ناظم الغزالي بأهم الملحنين والشعراء والعازفين، ومع ان صوته وقدرته على التلوينات في المقامات والانتقال من مقام إلى آخر ببراعة كانت أسبابا كافية للنجاح، إلا أنه لم يتكئ على هذا فقط، بل تعداه إلى العناية بكافة التفاصيل، صغيرها قبل كبيرها، كان معنيا بكل ما يتعلق بالأغنية منذ لحظة ولادتها حتى لحظة غنائها على المسرح وأمام الجمهور. لم يكن ناظم الغزالي فنانا عراقيا وحسب، بل تجاوز المحلية بسرعة الى العربية ومنها إلى العالمية، فقد كان ذكيا في خياراته ويعرف تماما كيف يرضي جمهورا مختلف الأذواق، من دون أن يتخلى عن خياراته الأولى في الجودة والأهمية. حقق للمقام العراقي انتشارا واسعا داخل وخارج العراق، وأصبحت كلمة «مقام عراقي» تدلّ عليه حتى من قبل جمهور غير متخصص، هكذا التصق اسمه بالمقام كما التصق المقام به. في صوت الغزالي التينور يستطيع اللعب على مساحات صوتية محببة للأذن وسلسة في الوقت نفسه، واعتمد على صيغ غنائية قد تبدو في سطحها سهلة لسلاسته، ولكن العارفين بالموسيقى يعلمون تماما ان هذا السطح البسيط يحتاج الى قدرة عالية في الأداء والتلوين والقرب من الناس، كونها سهلة الحفظ وانتشرت بسرعة بين الجمهور العربي. سلاسة الغزالي في الأداء ارتبطت أيضا بخياراته الشعرية، لدرجة أن كلمات بعض أغانيه أصبحت كالأمثال متداولة بين أشخاص مختلفين، كما أن أغنياته حفرت لنفسها أمكنة مختلفة، خصوصاً أنه غنى لمناسبات متنوعة. لم يعتمد الغزالي على الشعر المتوارث لأكثر من ألف عام من عمر المقامات العراقية، بل فور ظهوره كان قد حسم أمر تجديد مفاصل المقام وأخذ منه خلاصته، وأظهره قريباً من المستمع في كل الوطن العربي. ولم يأبه لكل منتقديه المحافظين على شكل المقام التقليدي وعدم المساس به، اختصر كثيراً في المقام، اختار قصائد عربية جميلة لأهم الشعراء الكبار، فرقة موسيقية جديدة، ملحنين كبارا، شعراء معاصرين أيضاً لكتابة الأغاني التي تغنى بعد المقام وتسمى (بستة) ولأول مرة أيضاً تصاحب مغني المقام مجموعة كورال وكانت جيدة جداً. اهتم بصورة الفرقة وديكور الاستديو والمسرح الذي يظهر عليه، وكان يدفع تكاليف كل ذلك لحرصه الشديد وحبه لعمله. في منتصف الخمسينيات بدأت الأسطوانات الحجرية تنتشر في العراق ومنطقة الخليج العربي. وقامت (شركة جقمقچي) بتسجيل أغاني الفنانين العراقيين، وفي مقدمتهم ناظم الغزالي. وظهرت الأغاني في أسطوانات مثل «طالعة من بيت أبوها» و»ماريده الغلوبي» و»يم العيون السود» و»عيرتني بالشيب وهو وقارُ» وغيرها من الأعمال الرائعة من ألحان ملحن عظيم اسمه ناظم نعيم ويشرف على توزيعها الموسيقي الفنان الراحل جميل بشير.. وبهذا بلغت شهرته ذروتها وبدأت تتوالى الشهادت بقدرته الغنائية من قبل عمالقة الغناء.. ولم يتأخر الموسيقار محمد عبد الوهاب عن إظهار رغبته في التلحين لناظم الغزالي.. وتم الاتفاق على ذلك فعلاً في صيف 1961، غير أن رحيل الغزالي كان أسرع ولم تكتمل فرحته في تحقيق هذا الحلم. أما قصة زواجه بسليمة باشا، وهي أهم مغنية عراقية فقد كان لقاؤهما في سنة 1952 عندما اشتركا معاً في حفلة غنائية، وفي سنة 1953 تم زواجهما وعاشا معاً حتى رحيله، وعلى أثر وفاته أصيبت سليمة مراد بانتكاسة واعتزلت الغناء حتى وفاتها. كانت تكبره بـ(20) عاماً لكنه أحبها وظل متمسكاً بها ويشاركها حفلاتها. جمعت بينهما حبهما للمقامات والبستات العراقية. كانت معلمته في الحياة وفي حفظ ألوان الغناء العراقي وزوجته وصديقته. ناظم الغزالي كان ويبقى حالة عالية في سجل الغناء العراقي والعربي وكلما مَّرَّ الزمان عليه زاده جمالاً وعمّق حبنا له.
كنت أظنّ أنّنا ننتسب إلى أمّة شعارها «إذا عصيتم فاستتروا» مع أنّ هذا ليس بحديث، فلا أثر له في مدوّنة الحديث النبوي، بل ربّما قَلَبَهُ أكثرنا:» إذا استترتم فاعصَوا». حتّى إذا أعدت قراءة اعترافات طارق علي (1943) الكاتب والمؤرّخ البريطاني من أصل باكستاني المعروف بمواقفه السياسيّة المناهضة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية، ورواياته التاريخيّة «خماسيّة الإسلام» التي تضمّ «في ظلال شجرة الرمّان» و»صلاح الدين» و»المرأة الحجريّة»… قلت هذا كاتب من طراز مختلف. فهذه الاعترافات التي ساقها في كتابه «صدام الاصوليات: الحملات الصليبية والجهاد والحداثة» 2002، (ت.طلعت مراد)؛ مثيرة حقّا، كما في هذا الفصل الأوّل. و»أدب الاعترافات» جنس أدبيّ تكاد تخلو منه مكتبتنا العربيّة، لأسباب قد تكون دينيّة اجتماعيّة ؛ فليس لنا مصنّفات الاعتراف الشهيرة مثل اعترافات القديس أوغسطس أو اعترافات جان- جاك روسو أو اعترافات بودلير أو نيتشه أو جان جينيه… أي تلك التي يفضي فيها الكاتب بأسرار نفسه أو جسده أو دفائن عقله وأهوائه وخطاياه وأخطائه. وإنّما أكثرها من أدب التراجم التي استطاع بعضها أن يجمع بين الكتابة التاريخيّة والكتابة السرديّة، أو بين طريقة المؤرّخ وأسلوب الروائي. ولكن ربّما سما بالشخصيّة إلى مرتبة الآلهة والأرباب، وربّما نزل بها سهل الأباطح، وربّما قدّم لنا بعضها شخصيّة حيّة، وربّما قدّم لنا بعضها مومياء أو بقايا مومياء. يعترف طارق علي، منذ الصفحات الأولى غير متردّد ولا هيّاب، بأنّه عاش طفولة غير دينيّة. يقول: «في الحقيقة لم أكن مؤمنا ولو لأسبوع واحد، ولا حتى عندما كنت لاأدريّا وأنا بين السادسة والعاشرة من عمري. لقد كان هذا أمرا غريزيّا فيّ إذْ كنت موقنا بأنْ ليس ثمّة شيء يوجد هناك عدا الفراغ». ويقرّ بأنّ مردّ هذا قد يكون إلى أنّه لم يُرزق حظّا وافرا من خيال بعبارته، على الرغم من أنّ بيئة لاهور التي عاش طفولته فيها، كان من شأنها أن تذكيَ خيال أيّ طفل. ولا نظنّ أنّنا نبالغ عندما نقول إنّ منبع الدين ـ أيّ دين ـ هو الحياة الخياليّة، والرجاء في ما يأتي ولا يأتي. يقول الكاتب إنّه كان في ليالي الصيف العبقة برائحة الياسمين، وقبل أن تدوّي مكبّرات الصوت في المساجد، يستمتع بالصمت وهو يتطلّع إلى السماء، ويعدّ النيازك حتّى يغفو «لقد كان صوت المؤذّن في الصباح الباكر يبدو لطيفا كصوت منبّه الساعة». ومع ذلك فإنّ هذه البيئة، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، لم تدفعه إلى الإيمان، بل جعلته يأخذ الدنيا كما هي، ويترك نفسه على سجيّتها منقادة لميولها. يقول، في السياق نفسه، إنّ دور الدين كان ضئيلا في أسرته بلاهور، فوالداه كانا غير مؤمنين، وكذلك معظم أصدقاء الأسرة؛ فقد اعتنقت طائفة كبيرة من المسلمين المتعلّمين، منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، الحداثة، وأدركت أنّ الدين المنظم هو مفارقة تاريخيّة، وأنّ التقدّم رهْن بتقدّم العقل. ومع ذلك فإنّ التقاليد ظلّت محتفظة بسطوتها، ولكنّ حياة لاهور الليليّة كانت تجري على عادتها، من دون أن يقوى أحد على لجمها. وفي أحد الأيّام من خريف 1956 زار الأسرةَ في لاهور، عمّ «هزيل» وعمّة «بلهاء»، وكان الكاتب واخته يستمعان إليهما وهما يؤنّبان والديهما: « نحن نعرف أنّكما غير مؤمنين، ولكن لابدّ من منح هؤلاء الأطفال الفرصة حتى يُلقّنا دينهما». وبعد ذلك بأشهر، جلب له والده معلّما يعلّمه القرآن وتاريخ الإسلام. وقال له والده: «أنت تعيش هنا، وعليك أن تدرس النصوص وتعرّف تاريخَنا. ولك بعد ذلك أن تفعل ما تشاء؛ وحتى إن رفضت كلّ شيء، فمن الأفضل للمرء دائما أن يعرف ما يرفض». ويقرّ الكاتب بأنّه أدرك بعد أن تقدّمت به السنّ، أنّ هذه كانت نصيحة معقولة تماما، ولكنّه اعتبرها وهو في حدْثان مراهقته، نصيحة مراوغة مضلّلة، من دون أن يكون قد خطر بباله أنّ قرار والده، كان بسبب تجربة دينيّة عاشها عام 1928، فقد اضطرّ إلى اصطحاب والدته ومرضعته، لأداء مناسك الحجّ. ولم يكن بوسع النساء، زيارة مكّة ما لم يكنّ مصحوبات بذكر لا يتجاوز عمره الثانية عشرة. ولم يكن لوالده وهو أصغر الذكور في الأسرة، خيار. غير أنّ تأثير هذه الرحلة إلى الأراضي المقدّسة، في والده، كان محدودا جدّا، بل إنّ هذا الوالد تحوّل، بعد ذلك بسنوات، إلى «شيوعيّ متزمّت [عضو في الحزب الشيوعي الهندي]، وظلّ هكذا طيلة حياته، حتّى أنّ موسكو أصبحت هي مكّته». لقد رأى بأمّ عينيه، قبل أن يتدفّق النفط في السعوديّة، فقر الناس وعوزهم. وسمع من الحُجّاج غير العرب، قِصصا مروّعة عن النهب الذي كانوا عرضة له، وهم في طريقهم إلى الحجّ. يقول الكاتب إنّه سرعان ما أدرك الحجيج أنّ تلك الأرواح الطاهرة التي تعمر مكّة لا تزن مقدار ذرّة، وكانوا، من ثمّة، يأخذون حذرهم. ويضيف: «يوما ما قد يقدّم لنا مخرج إيراني نسخةً شرقيّة لمنحوتة الثناء إلى بونويل» في إشارة منه إلى المنحوتة التي أنجزها أحد الفنانين الإسبان تقديرا للمخرج السينمائي لويس بونويل المعروف بأسلوبه السيريالي، وتوظيفه السينما، لمحاربة الطغيان الديني. لم يكن بإمكان طارق علي أن يتعلّم القرآن، إلاّ عن طريق الحفظ ،بما أنّه لا يعرف العربيّة. واقترح والده أن يتعلّم العربيّة أوّلا. ولكنّه رفض، وهو الأمر الذي ندم عليه طويلا بعد ذلك. وها هنا يروي لنا الكاتب رحلته مع معلّمه نظام الدين. فهذا الرجل أطلق لحيته منذ شبابه المبكّر، وحتى العشرين من عمره. ولكنّه انتقل عام 1940 إلى الطرف النقيض، وحلق لحيته، وهجر الدين من أجل معاداة الامبرياليّة، وأصبح مناصرا لسياسات اليساريّين، بل قضى سنوات في السجن، ليصبح أكثر تطرّفا، إلاّ أنّه لم ينس القرآن قط ،واعترف للكاتب تلميذ الأمس، عام 2000 بأنّ الحقيقة مفهوم قويّ فيه، ولكنّها لم تُترجم أبدا إلى واقع فعليّ « إذْ أنّ الفقهاء قد شوّهوا الإسلام.» أدرك نظام الدين ضجر الصبي طارق من دراسة الآيات القرآنيّة. ويقول الكاتب إنّه، مع ذلك، لايزال قادرا على تلاوة شيء من القرآن «ألف لام ميم ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه» . وبدل أن يلقّنه هذا المعلّم تاريخ الإسلام، كان يحدّثه عن «الكفاح الوطني ضدّ الامبرياليّة البريطانيّة مصدر الإرهاب في البنغال والبنجاب، وما قام به السيخي بهكات سنغ الذي قام البريطانيّون بمحاكمته سرّا، وإعدامه في السجن المركزي في لاهور…» بيْد أنّ طارق علي تعلّم من معلّمه هذا، الكثير في التاريخ والسياسة والحياة اليوميّة، أكثر ممّا تعلّمه في المدرسة، على الرغم من أنّه فشل فشلا ذريعا في» استدراجه إلى الدين» بعبارته، إلى أن تطوّع خال له، التحى منذ وقت مبكّر، بمهمّة تلقينه الدين. يقول الكاتب إنّه كان يجد لهجة خاله، وهو يروي له حكايات عن تاريخ الإسلام، «مملّة متزلّفة»، فكان يتركه يثرثر، فيما هو يقوم بمراقبة الطائرات الورقيّة المتشابكة في سماء الظهيرة، أو يفكّر في مباراة الكريكيت الأولى التي ستلعبها باكستان ضدّ جزر الهند الغربيّة. يقول الكاتب إنّ هذا الخال توقّف بعد أسابيع قليلة عن مهمّته. ومع ذلك لم تقنط أمّه من تعليمه القرآن، فأجّرت فقيها محلّيا. والفقهاء أو المؤدّبون القرويّون كانوا، كما يقول الكاتب «موضعا للسخرية.. منافقين كُسالى. وكان الاعتقاد السائد أنّهم قد أطلقوا لحاهم، لا لأنّهم مُفعمون بالشعور الروحاني؛ بل من أجل الكسب… ولم يفلح هذا الفقيه مثل سابقه، واحتفل الكاتب مع خادم الأسرة العجوز المؤمن المخلص نعمة الله، برحيله. ولم تتكرّر المحاولة، واقتصر واجب الصبيّ الديني على أداء صلاة العيد في المسجد، مرّة كلّ عام. ويختم الكاتب هذا الفصل، بالإشارة إلى إقامته في بريطانيا حيث انضمّ إلى مجموعة من «الواقعيّين» أو«الأنسيّين» الذين يأخذون بالعقل لا الدين، ويُعنون بتنمية مناقب الانسان وفكره، وما يتمثّله من ثقافة أدبيّة وعلميّة، حتّى إذا اندلعت حرب الخليج أو حرب النفط الثالثة كما يسمّيها، عام 1995، استيقظ فيه الاهتمام بالإسلام؛ خاصّة بعد أن صاحبت هذه الحربَ، موجةٌ من الدعاية الفظة المعادية للعرب، وأظهر القادة والساسة جهلا مريعا بالإسلام وثقافته. ومن هنا بدأت رحلة طارق علي العلميّة، وهو يطرح هذه الأسئلة الحارقة التي لا نزال نحن العرب نطرحها، منذ عصر روّاد الإصلاح: لِمَ لمْ يعرف الإسلام حركة إصلاح؟ لماذا وقف التنوير مدفوعا مصدودا عند أسوار الامبراطوريّة العثمانيّة؟ ومن ثمّ كان عليه أن ينكبّ على قراءة تاريخ الإسلام، بهوس كبير، وأن يسافر إلى حيث نشأ، مركّزا على صدام الإسلام بالمسيحيّة الغربيّة. ناقد تونسي منصف الوهايبي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: رد: إسرائيل تدرب مغاربة عسكريا… لمحاربة من؟ ونشرة القدس العربي اليومية الأحد 30 أغسطس 2015 - 0:34
عمان ـ «القدس العربي»: لا يمكن التغافل عن تلك المساحات الانفعالية في الموقف السوري من الأردن، خصوصا مع تفاعل الحديث خلف الستارة والكواليس عن سيناريو المنطقة العازلة التي يعرف النظام السوري انها ستعيد إنتاج الوضع العسكري والأمني الإستراتيجي لو سمح المجتمع الدولي لعمان بوضعها على رأس الأولويات. لم تكن صدفة بالتأكيد تلك التي دفعت قائد حرس الحدود الأردني صابر مهايرة، قبل نحو أسبوعين، للتحدث عن رغبة بلاده في وجود منطقة عازلة لأغراض حماية اللاجئين وتأمين حدود بلاده. تصريح المهايرة آنذاك أثار لغطا كبيرا لكن، سياسيا، يمكن ملاحظة انه صدر ولأول مرة باسم المؤسسة العسكرية الأردنية بعد زيارة مهمة لوزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر هبطت خلالها طائرته في قاعدة عسكرية على الأرض الأردنية وبالتزامن مع زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. الأهم هو العنصر المستجد في المشهد، فالتعليق بمسألة المنطقة العازلة يتفاعل الآن لتفسير موقف القيادة السورية المتحرش ضد الأردن بعد الزيارة الهامة التي قام بها العاهل الملك عبدالله الثاني لموسكو والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. الأردن والسيسي وأبوظبي يشكلان «ثلاثيا» متقدما ومنسقا اليوم على صعيد مؤسسة النظام العربي الرسمي والأطراف الثلاثة ترتبط بعلاقة حيوية يشوبها بعض الخلافات في وجهات النظر مع السعودية تتجاوز المشهد السوري. ليس سرا في السياق الإستراتيجي أن الأردن بحث سيناريوهات المناطق العازلة والآمنة مع تركيا خلف الأضواء، وأن عمان متخوفة وقلقة جدا من مقترح»المنطقة الآمنة» لإنها تنطوي على مجازفات أمنية بالنسبة لها خلافا لما تقدمه المنطقة العازلة. على هذا الأساس يمكن توقع ان الأردن يمكنه التعايش مع رغبته في منطقة عازلة بعد تنامي العداء السوري النظامي لكن شريطة ان تحظى بغطاء دولي وهو أمر غير ممكن بدون التقارب مع موسكو وتحديدا مع فكرتها في جهود منسقة لمواجهة الإرهاب بوجود الأردن. لذلك تبدو الإطلالة على نافذة اللاعب الروسي مهمة واستثنائية، الأمر الذي حاول إفساده الرئيس بشار الأسد الذي اندفع لتذكير الروس بأن الأردن بلد يدور في «الفلك الأمريكي» في توقيت متزامن مع جلوس الملك عبدالله الثاني على طاولة اتصالات موسكو التي تناقش بكل تأكيد ملامح صفقة تسوية كبرى برعاية روسيا لمجمل الملف السوري. ولذلك تتجلى المفارقة السياسية بأبهى صورها فالأردن يجلس على طاولة دول كبرى تدير مفاوضات على مستقبل التسوية السورية وبشار الأسد يهاجم عمان من بوابة استقلالية القرار السياسي، لكنه في الواقع وحسب مصدر أردني عميق ومطلع يريد «تفويض» النظام المصري بتمثيل مصالحه في المجموعة العربية النشطة وليس الأردن او السعودية أو الإمارات. المؤشرات تكثفت في عمان على ان الرئيس الأسد يقيم حلقة اتصال عن بعد وحيوية مع الرئيس السيسي عبر شخصيات «فلسطينية وأجنبية» مقربة من الجانبين. لا يعرف حتى الآن الكثير عن هذه الحلقة لكنها فعالة والسيسي طلب مباشرة في موسكو من الأردن والإمارات التفاوض مع نظام بشار بعيدا عن حسابات «إسقاط الأسد» مما يجعله في أقرب مسافة من الموقف الروسي والإيراني عمليا لكنه بالنتيجة – وهنا محور الحذر الأردني – يجعله في مسافة أبعد من السعودية. حتى عمان تفضل التوافق على تسوية سياسية بحضور نظام الأسد لكن الأخير قال لمبعوث فلسطيني زاره مؤخرا ان الأردن يعبث ويتلاعب ويحاول تضليل الجميع، وكان ذلك بمثابة قراءة سورية مغلوطة للحراك الأردني الذي لم يتورط حتى اللحظة في أي نشاط عسكري داخل الأراضي السورية. السيسي في موسكو، وحسب المعطيات التي استطاعت «القدس العربي» الحصول عليها، ظهر ميالا للتفاوض على التفاصيل مع نظام بشار على أساس منح النظام فرصة يمكن ان تسمى أخيرة، وأبوظبي لم تعترض وعمان تتفهم وموسكو رحبت في كل الأحوال. وتم الإتفاق على هامش معرض الأسلحة الذي حضره الزعماء الثلاثة للإمارات والأردن ومصر على الانتقال لبحث تفاصيل وحيثيات للقنوات السرية المغلقة وإبلاغ «السعودية» بالمضامين، وهو وضع تكتيكي يضع روسيا على الطاولة العربية نفسها التي تبحث إستراتيجية التعاطي مع الأسد وسورية. وتلك بمثابة القطفة الإستراتيجية التي حصل عليها بوتين عندما استضاف ثلاثة من القادة العرب بذريعة معرض لصناعات الدفاع الجوي العسكرية وعلى قاعدة «الحج وبيع المسابح» على حد تعبير سياسي أردني مخضرم. بسام البدارين [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
القاهرة ـ مكتب «القدس العربي» :هيمنت زيارة الرئيس السيسي لروسيا ومباحثاته مع المسؤولين فيها على تغطيات الصحف الصادرة أمس الخميس 27 أغسطس/آب، وغطت التحقيقات والمقالات نتائج الزيارة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، خاصة أنه لم يكن من باب المصادفة أن يوجد في روسيا كل من ملك الأردن عبد الله الثاني وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بحجة حضور «معرض ماكس الدولي للطيران والفضاء»، لأنه لا توجد علاقات تسليح بين الأردن والإمارات وبين روسيا، ولا حاجة لها للمقاتلات أو القاذفات الروسية، وإنما الأمر الحقيقي تكثيف الاتصالات لإنهاء الأزمة السورية وبدعم ورضا أمريكي أوروبي، خاصة بعد البيان الصريح لمجلس الأمن بذلك. أما بالنسبة لمصر فقد تأكد الاتفاق على بناء أول محطة لتوليد الكهرباء وتحليه المياه بالطاقة الذرية في منطقة الضبعة، بعد أن رفض السيسي الاستماع لأغنية رجل الأعمال سميح ساويرس بأن «يزق المحطة زقة» بعيدا عن مكانها الحالي على الساحل ويتركه للمستثمرين. واستعان بأغنية «أدوا زوبة زقة». كما أن الاتفاقيات الاقتصادية ركزت على محور قناة السويس شديدة الأهمية في مصر، وزيادة أعداد السائحين الروس، أما بالنسبة لاتفاقيات الأسلحة فيصعب الكلام عنها الآن، إلا بعد الإعلان عنها خاصة في الطائرات والأعداد التي ستتعاقد عليها مصر، وهل سيكون هذا مؤشرا على بداية الاستغناء عن طائرات «أف 16» الأمريكية أم لا. أيضا واصلت الصحف الاهتمام بحملة «بلاها لحمة» الداعية لعدم شراء اللحمة بعد أن وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى مئة جنيه. وقد أحدثت تأثيرا إلا أنها أدت إلى رفع أسعار الدواجن. كما واصلت الصحف نشر التعليقات على عدم معاقبة الحكومة أمناء الشرطة الذين تظاهروا مستخدمة قانون التظاهر. هذا وقد أخبرني زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب عمرو سليم في «المصري اليوم» أمس أنه كان يسير في أحد الشوارع فشاهد شرطيا يقبض على فتاة لمخالفتها قانون التظاهر، وعلى بعد خطوات أمين شرطة يضحك ويقول وهو ممسك بريشة: - ونطالب كمان بتغيير اللبس بتاعنا بدل الطاقية الميري نحط ريشة. ولا زالت بعض التعليقات في عدد من الصحف تتطرق إلى مناقشة إغلاق صحيفة «التحرير» النسخة الورقية أول الشهر المقبل اكتفاء بالنسخة الإلكترونية، بعد أن أعلن مالكها رجل الأعمال أكمل قرطام أنه تكبد خسائر مالية فادحة، ولم يعد ممكنا استمراره في تحملها. كما بدأت وزارة الزراعة بالتعاون مع الجيش في إقامة أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط في منطقة الطور في جنوب سيناء سينتهي العمل فيها بعد عام ونصف العام، وتنتج خمسة وخمسين ألف طن يوميا، وإقامة مصانع على هذا الإنتاج وتمليك أجزاء من المشروع للشباب. وإلى بعض مما عندنا.. نبيل عمر: عليكم أن تتمسكوا بالدستور أولا وأخيرا ونبدأ بأبرز ما نشر عن الأحزاب السياسية والاستعدادات لانتخابات مجلس النواب المقبلة، حيث استمرت حملة جمع توقيعات على الإنترنت للمطالبة بحل الأحزاب الدينية، وحدد أصحاب الدعوة الأحزاب بشكل رئيسي في «النور» و»مصر القوية» و»الوسط» و»البناء والتنمية» و»الوطن»، بالإضافة إلى عدد آخر لا وجود حقيقي له. وهو العمل الذي عارضه زميلنا نبيل عمر بالقول عنه في «التحرير» يوم الاثنين الماضي: «لا أؤيد جمع التوقيعات لإلغاء الأحزاب الدينية، فالمفترض أننا دولة قانون، ولا ننفذ القانون بالرغبة والتوقيعات، ويحكمنا دستور يجب احترامه احتراما كاملا، وللأسف نخالفه في أشياء غير قليلة، وهو ما شجع على وجود مثل تلك الدعوات بالتوقيعات ضد الأحزاب الدينية، الدستور يضع معايير، وأي مواطن من حقه قانونا أن يدافع عن الدستور منفردا أو مع مجموعة أو مؤسسة مدنية، وإذا كنا نريد حل حزب النور مثلًا، فيجب أن يكون بالدستور، ونرفع قضية مدعمة بالأدلة والقرائن والمستندات عن تصرفاته وأفعاله وأقواله وأفكاره المتداولة على الملأ، التي تثبت أنه حزب ديني، بغض النظر عن المكتوب في برنامجه وزعمه أنه حزب مدني، كما أن الأحزاب خاضعة لإرادة الشعب في الانتخابات. أما التوقيعات فأقول لأصحابها «بلوها واشربوا ماءها»، وعليكم أن تتمسكوا بالدستور أولا وأخيرا». ظاهرة تشكيل أحزاب عسكرية وإذا كانت الانتخابات المقبلة قد أعادت تسليط الأضواء على الأحزاب والحركات السياسية وتحالفاتها في تشكيل القوائم وعدم وجود أي تحالفات على الدوائر الفردية التي تشكل أغلبية المقاعد، وكذلك على حزب «النور» أساسا، وهو أبرز وأهم ما يطلقون عليه الأحزاب الدينية إذا كان هذا هو محور الاهتمام فإن أحدا لم يلتفت إلى ظاهرة أخرى، غير الأحزاب الدينية وهي ظاهرة الأحزاب التي شكلها عسكريون، وتلك التي حاول عسكريون من قبل تشكيلها ولم تنجح ومن هذه المحاولات واحدة في غاية الغرابة والتي تدعو للتأمل في بعض ما يحدث في البلد. فقد نشرت «المصري اليوم» يوم الثلاثاء الماضي حديثا مع الفريق حمدي وهيبة، أجراه معه زميلنا محمد البحراوي على صفحتين كاملتين جاء فيه بالنص ردا على سؤال حول ما إذا كان قد فكر في إنشاء حزب سياسي: «بعض الزملاء من رجال القوات المسلحة السابقين عرضوا عليّ فكرة إنشاء حزب يضم عسكريين ومدنيين، وبعد 10 جلسات، تبين أنها كلها أهواء شخصية، هذا يريد الدخول للحزب ليحصل على لقب أمين الحزب، وذاك يريد الانضمام ليصبح مستشارا قانونيا، كلها مصالح شخصية، لكنني انسحبت عندما تقدم لي أحد الأشخاص في جلسة من الجلسات وهمس في أذني «بعد إذنك أنا همشي عشان عندي موعد مع السفارة الأمريكية وهاخد معايا فلان، فقلت له لماذا فقال عشان ناخد تمويل للحزب»، فقلت له لابد أن تطرحوا هذا الموضوع للنقاش على الجميع، وقلت لهم إنني لن أدخل في عمل فاشل وأنا لن أصبح رئيساً للحزب لكي أكون واجهة فقط، وأبلغتهم أنني منسحب من الحزب بسبب رغبتهم في التمويل الأمريكي، لا يمكن أن أقبل بعد تاريخي في القوات المسلحة لمدة 48 عاماً أن أحصل على تمويل من أمريكا لحزب سياسي في هذا الوطن العزيز عليَ، وكانت هناك بعض الشخصيات التي حاولوا إقناعها بالدخول في الحزب مثل الدكتور على المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي الأسبق، والفريق حسام خير الله، وكيل جهاز المخابرات سابقاً، وكانوا مختلفين حول اسم هذا الحزب واستقروا على اسم «الجمهوري الوطني»، ولكنه ـ الحمد لله ـ لم يخرج إلى النور حتى الآن. أنا تعاملت مع حوالي 40 شخصية من مؤسسي الحزب كلهم على الشاكلة نفسها يبحثون عن المصالح الشخصية، ولا يصح أن تكون السياسة في مصر بهذا الشكل. وبعدما جلس معنا الفريق حسام خير الله مرتين، حاولوا ابتزازه، إذ كان له مقراً في الانتخابات الرئاسية وقالوا له «أعطنا هذا المقر ليكون مقراً للحزب»، وقالوا «فلان يتبرع بكذا وفلان يتبرع بكذا»، هي عملية ابتزاز من اليوم الأول، الحزب يحتاج 2000 توقيع من كل محافظة، وقالوا إن الأحزاب الأخرى تدفع أموالا للجماهير لتنضم إليها مثلاً من 50 ـ 100 جنيه، لكنهم أرادوا أن يطلبوا من الجماهير الراغبين في الانضمام دفع مبلغ 25 جنيها مقابل الاشتراك، وهنا دخلنا في كلام لا جدوى منه، وتصورت أن هذه هي الصورة في كل الأحزاب الورقية الموجودة حالياً، وقلت لهم «مستحيل أدفع لهذا الحزب من مالي الخاص، ما أملكه من مال هو حق أولادي وأحفادي لن أتبرع منه بشيء». شخصيات عسكرية تدخل المعترك السياسي ويقودنا ذلك إلى أحزاب قامت فعلا على أكتاف عسكريين، لأنه لم يظهر من بين أعضائها من قال عن أذنكم أنا رايح أجيب لكم تمويل من السفارة أوردها يوم الأربعاء في تحقيق في «الجمهورية» زميلنا محمد مرسي في صفحة الشارع السياسي التي يشرف عليها زميلنا عبد الجواد حربي قال عنها: «خاض العمل السياسي والحزبي عدد من الشخصيات العامة العسكرية، لاستكمال دورهم الوطني والسياسي منهم، الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق، الذي أسس حزب «الحركة الوطنية». والفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق رئيسا لحزب «مصر العروبة». وقدري أبو حسين محافظ حلوان السابق رئيسا لحزب «مصر بلدي». والفريق جلال هريدي رئيس حزب «حماة الوطن». ووحيد الأقصري رئيس حزب «مصر العربي»، وهو ضابط بالمعاش. ومحمد شلتوت رئيس حزب «التكافل الاجتماعي»، وهو أيضا ضابط سابق في الدفاع الجوي. واللواء أحمد خنصل رئيس حزب «المواطن المصري». وللمحاربين القدامى أحزابهم أيضا هذا وقد نسي زميلنا مرسي ذكر اسمي حزبين آخرين حديثين، وهما حزب «حماة مصر» برئاسة اللواء مدحت الحداد وأمينه العام جمال كحيل كروم، الذي أكد لي أن لديهم سبعة وعشرين مقرا للحزب في عدد من المحافظات، وأنهم يخططون للحصول على عدد معتبر من المقاعد الفردية. والحزب الآخر الذي نسيه مرسي هو «فرسان مصر» برئاسة الفريق شفيق البنا وهو ابن القارئ الشهير المرحوم الشيح محمود البنا، أي أن الأحزاب التي يمكن القول إنها قامت على أساس عضوية المحاربين القدامى من ضباط وصف ضباط وجنود هي ثلاثة، «حماة مصر» و»فرسان مصر» و»حماة الوطن» الذي شكله الفريق جلال هريدي مؤسس قوات الصاعقة. وأخبرني جمال كحيل أن الفكرة الأساسية التي قاموا عليها كانت أولا الدفاع عن الجيش باعتباره حامي الوطن أمام الهجمات والإساءات التي تعرض لها، خاصة أن هناك خمسة ملايين وثمانمئة ألف ضابط وجندي سابق خدموا في الجيش يمكن أن يكونوا قاعدة هذه الأحزاب، إضافة إلى أفراد أسرهم وأصدقائهم. لماذا تريدون للرئيس «جوقة» و«شلة»؟ وفي عدد «الجمهورية» ذاته أراد زميلنا سمير الجمل المساهمة في النقاش حول الأحزاب فقال في بروازه «أكشن»: ـ لماذا تريدون للرئيس حزبا وحزبه الشعب كله الذي جاء به واصطفاه لأنه المنقذ الذي جاء على غير سابق إنذار؟ ـ لماذا تريدون للرئيس «جوقة» و«شلة»؟ والرجل اتخذ من الشعب عصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على وطنه في الداخل والخارج؟ ـ لماذا لا تفهمون أن رئيسكم هذا لا يحب الاستعراض ولا ينتفخ بكلمات النفاق؟ ـ وأخيرا بدلا من كلامكم للرئيس كلموا ضمائركم لكي تعمل فإن حساب ربنا لن يتم بالبدلة الرسمية؟» حديث «العوا» وخروج «أبو العلا» ومن أحزاب العسكريين والمدنيين إلى ما نشر مؤخرا عن محاولات لإجراء مصالحة بين النظام والإخوان المسلمين، خاصة بعد انتهاء فترة الحبس الاحتياطي لصديقنا رئيس حزب الوسط المهندس أبو العلا ماضي، رغم نفيه أنه تقدم بمبادرة أو حتى فكر فيها. وقال يوم الأحد في «المصريون» الأسبوعية المستقلة، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق هشام النجار: « هناك حراك في العمق بلا شك بداخله تفاصيل كثيرة غير مرئية، لكن ما يطفو على السطح من تحركات ومواقف وتصريحات معلنة تكشف بطرف خفي عن طبيعة ذلك الحراك واتجاهه. هناك مستجدات من الطبيعي أن تجبر التيار الاسلامي وقيادته الحالية، ممثلة في الإخوان على أن تبحث عن بدائل في ظل انسداد الأفق السياسي وتراجع الآمال المعلقة على بعض الملفات الحيوية اقليمياً ودولياً. هنا نرصد تحركات جاءت سريعة هذه المرة من قبل الإخوان على عكس النهج البطيء حد الجمود على مدى عامين، ولا ندري إن كانت مصادفة أو كانت تحركات وإجراءات مؤجلة، أو هي بالفعل جاءت تفاعلاً حيوياً مع تلك المستجدات على الساحتين الإقليمية والمحلية، فضلاً عن الأوضاع في تركيا وطبيعة أزمة الجماعة وضخامتها داخل مصر. الأول خروج أبو العلا ماضي القيادي الإسلامي المعروف ورئيس حزب الوسط، الذي جاء متزامناً تقريباً مع حديث مهم جداً لم يأخذ حظه من الاهتمام والتحليل للدكتور سليم العوا، نشره موقع حزب العدالة والتنمية المغربي، وفيه ما فيه من رؤى لرجل يحاول ولو متأخراً وضع التيار الإسلامي على أول طريق إنقاذه وإعادته للمشهد؛ فهو يدعو الإسلاميين للتراجع قليلاً بجماعاتهم وتنظيماتهم عن صراعات السلطة، وأن يكون الأداء في المرحلة المقبلة من خلال عمل حزبي منضبط على غرار التجربة المغربية. أهمية الحوار ليست فقط لرمزية العوا، بل لأنه أيضاً لرجل بدا وثيق الصلة بالإخوان، وهو المحامي الأول عن مرسي، خلال الفترة الماضية، فضلاً عن خروج أبو العلا الذي لا يمكن انتزاعه من سياقه السياسي، وكلاهما ـ العوا وأبو العلا ـ يأتيان على يسار الإخوان منهجياً وسياسياً، فهما أقرب إلى الوسط الإسلامي المعتدل.. بالطبع لا نغفل التغيرات على المستوى الهيكلي والانتصار من جديد للقيادة التي تبدو عقلانية في العلن بالنسبة للإخوان، فها هم يؤخرون صوت أشرف عبد الغفار ومحمد منتصر الحادين المتشنجين ويصدرون الحرس القديم وصوت زوبع الذي يطلق بالونات اختبار بشأن مواءمات وتنازلات. الأمر سيحتاج لمزيد من الوقت لتتفاعل الملفات، خاصة أننا أمام أزمة معقدة متعددة ومتشعبة الملفات ، ولن تحسم خلال يوم وليلة ، لكن ما هو أمامنا الآن على سطح الأحداث وآخر التفاعلات ، أن المشهد الإخواني يحاول التراجع والعودة إلى المنطقة الوسط، بينما يبدي حلفاؤها الإصرار، وأنه إذا حدث فسيواصلون بدونها». حسن الزناتي: هل أعاد «العوا» تقييم أفكاره؟ ويوم الاثنين صاح زميلنا في «الأهرام» حسن الزناتي وهو يسدد نظرات غير مريحة لصديقنا الدكتور سليم العوا: «إن التاريخ ليس ببعيد كي ننسى أن العوا لعب دور الوسيط في عهد مبارك، بين الدولة والإخوان منذ توليه أمانة اتحاد علماء المسلمين، وهو من خرج قبل الثورة ليقول إن الكنائس المصرية فيها أسلحة، في تصريحات كادت تؤدي إلى فتنة طائفية… وفوق كل هذا كان العوا رئيسا لهيئة الدفاع عن مرسي نفسه، وأخيرا مع أبو العلا ماضي، وعقب انسحاب حزب الوسط من تحالف دعم الشرعية الإخواني، كان اسمه مطروحا لرئاسة الكيان، الذي أراد الحزب تشكيله، ويضم أحزاب «مصر القوية، وغد الثورة، والوطن، والاشتراكيين الثوريين» وغيرها. بعد كل هذا يطلب العوا الآن من الحركات السياسية التي ينتمي إليها الابتعاد عن السلطة ـ رغم أنه أمر أصبح واقعاً بفعل ثورة يونيو/حزيران ـ بينما لم يتحدث عن حتمية وقف إرهابهم، أو فك تنظيمهم، أو توقف تعاونهم مع أعداء مصر في الخارج. رُبما أعاد الدكتور العوا تقييم أفكاره، ورُبما تاب عنها، لكن هل مطلوب منا بكل هذه الخلفيات أن نصدقه؟». ش�[/size]