العراق أصعب بلد في العالم في حكمه. وله تاريخ في ذلك يمتد لستة آلاف سنة. لسوء حظ إيران أنها حاولت أن تجرب حظها في حكم بلد عربي في هذا البلد بالذات. فمنيت بفشل ذريع.
ولم يكن الحظ فقط ضدها، كانت هناك سياستها الطائفية أيضًا في التعويل على فئة واحدة من الشعب. الثورة الإسلامية بضاعة مغشوشة؛ فهي لم تحاول نشر الإسلام حيث لا يوجد إسلام، كما في أميركا اللاتينية مثلاً. وإنما سعت لتصدير الثورة لديار المسلمين وإثارة المسلمين ضد بعضهم بعضًا. فشلها الذريع في العراق حول حتى الشيعة ضدها، بما عزز ذراع التشيع العربي المناوئ للتشيع الفارسي. راح المتظاهرون يهتفون: «إيران بره، بره، بغداد تبقى حرة» و«باسم الدين حكموا الحرامية». فوجئ بعض القادة العراقيين الذين استجابوا فورًا للأوامر الإيرانية، فشخصوا لطهران أخيرًا «سمعا وطاعة». ولكنهم فوجئوا عندما وجدوا هذا البرود والصدود من أسيادهم، وعدم دعمهم في تحدي العبادي. لم تستطع هذه النخبة المعممة أن تنفذ حتى هذا الطلب البسيط بالوصول لاتفاق بينهم قبل اجتماعهم بأسيادهم. نعم، من الواضح أنهم قد حملوا حزمة «الشقاق والنفاق» التي أشار إليها الحجاج معهم في أمتعتهم. فلم تتمالك حتى إيران غير أن تنضم للجوقة العالمية من الدول العربية والأجنبية، وعلى رأسها أميركا، في دعم العبادي وإصلاحاته الجذرية المرحلية. أمر لا مناص منه ولا يتقبل أي جدال. لا أدري أي تعليمات جديدة تلقاها الجنرال سليماني في طهران خلال زيارته الخاطفة وقبل عودته سريعًا لبغداد. لقد انهارت سياسة التدخل الإيرانية وتحولت إلى أنقاض أضيفت إلى أكوام الزبالة المكدسة في شوارع العاصمة العراقية. هل هناك أبعاد أخرى وراء هذا البرود والصدود؟ لقد صاحب الفشل في العراق فشل آخر في اليمن وفشل في سوريا. وتزامن مع بعض التغيرات في السياسة الإيرانية. هناك السعي لعقد محادثات مع الدول العربية، واتصالات مع إسرائيل، ومغازلات مع «الشيطان الأكبر» ومضايقات ضد أحمدي نجاد، مهندس التوسع الفارسي، وتحولات ليبرالية في المجتمع الإيراني، وكله في ظل الاتفاق النووي المهم. أهو يا ترى تمهيد لتغير استراتيجي في مسيرة النظام؟ تغير يتضمن شطب المليارات التي أُنفقت عبثًا في المساعي التوسعية الفاشلة، وتحولاً في النظر من الخارج إلى الداخل لوضع حد لكل هذه المعاناة التي عاشها الشعب الإيراني طويلاً. هذا طبعًا ما نتمناه لصالح الشعب الإيراني وصالح شعوب المنطقة العربية التي شقيت من وراء التدخلات الإيرانية، وأدت إلى هلاك وتشرد الملايين من الأبرياء. لقد حان الوقت لتوجيه الجهود والإمكانات توجيهًا إيجابيًا نحو إعادة بناء الشرق الأوسط وتخليصه من كل هذه الرعونات والجرائم المقيتة التي ولعت بها المنظمات الإرهابية في غفلة من حكومات المنطقة.