هناك الكثير من الأساطير والمعتقدات التي لأتمت إلى الحقيقة بشيء قد وجدت لها طريقا في مدة مظلمة من زمن البشرية. فبعد ان عجز العقل الإنساني البدائي عن معرفة وتفسير الكثير من الظواهر، لذلك ذهب هذا العقل للبحث عن العلل والأسباب برؤية غابت عنها الواقعية والمنطقية.
فضلاً عن ذلك أن القوى الشريرة هي الأخرى قد وظفت هذه الرؤية وكذلك ضبابية المواضيع واستطاعت أن تنصب نفسها كحكام وقادة لتبين للآخرين أن بيدها القدرة على كشف الضرر ودفع المخاوف واستنزال الكرامات على أمل الحصول على مكاسب مالية ولذات غير شرعية. يضاف إلى ذلك أن العائلات وجدت في أساليب وحيل الدجالين ملاذاً لتسكين مخاوفها ودفع الضرر المزعوم عنها. وبالرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف قد حارب هذه الظاهرة المقيتة وكشف الحقائق وبين أن الله سبحانه وتعالى هو النافع والشافي والدافع عن الشر ودعا إلى التمسك بتعاليم ديننا الحنيف وبالنواميس الطبيعية. إلا أن النفوس الحائرة شاءت أن تجعل من الدجل والخرافة تستقر في عقول أبناء الأمة ولهذا ازدادت مواجع الإصابة في بنية الجسد الإسلامي، بسبب معاول الدجالين. وكان للاحتلال الأمريكي ونتيجة الفوضى العارمة التي سببها في الشارع العراقي سبباً في ازدياد عمل المشعوذين والدجالين في الشارع العراقي. فأن الاحتلال الأمريكي للعراق قد ضاعف كثيراً من معانات أبناء الشعب العراقي، وشكل تواجد هذا الاحتلال ضغطاً كبيراً على عموم العراقيين بعد أن تعرض المجتمع إلى الكثير من الاهتزازات نتيجة الفتن المدروسة التي زرعها المحتل في جسد المجتمع العراقي. حيث تحولت هذه الفتن إلى ويلات كبيرة مثل انتشار ظاهرة القتل الطائفي والاختطاف على الهوية والاعتقالات العشوائية التي تنفذها قوات الاحتلال في بعض الأحيان أو القوات الأمنية أو المليشيات المسلحة التي عاثت بالأرض فساداً. فأن اختفاء الكثير من العراقيين في ظل هذه الإرهاصات الخطيرة قد شكل حالة من الصدمة في جسد المجتمع، مما جعل الكثير من العائلات تبحث عن أبنائها المفقودين في معتقلات الاحتلال وفي السجون العراقية معلنة كانت أو سرية. وأن الكثير من الأمهات والزوجات وحتى الآباء والأبناء اللاتي لم يجدن أبنائهن أو أزواجهن في المعتقلات الأمريكية والعراقية بشقيها اضطررن للذهاب إلى العرافين وبعض الذين يدعون القدرة على كشف الغيب وإحضار الغائب. حيث أن بعض العائلات التي أغلقت إمامها كل سبل الأمل في العثور على أبنائها قد رضخت مضطرة أو مؤمنة إلى أكاذيب ودجل وحيل هولاء المحتالين، وقد ساعد في رضوخها هذا جهلها بالمواضيع الروحانية واستخراج الجان والسحر مما جعلها تقع ضحية لهؤلاء، فضلاً عن ذلك ان بعض الذين يراجعون الدجالين والعرافين يتعرضون إلى التخويف من قبل هؤلاء. حيث يدعون إن الجن مسلطاً عليهم ولابد من محاربته، يضاف إلى ذلك إن النصابين ليوهموا السذج أنهم يستطيعون أن يوقفوا زحف الجان ومحاصرته وكذلك يستطيعون من خلال الكشف بواسطة المرآة عن مصير الأبناء ة والمفقودين وتزويج البنات العوانس وتصفية الخلافات الزوجية والعائلية وما شابه. وعن اهتمام العراقيين بالعرافين والروحانيين، إن هناك شرائح مختلفة من الشعب العراقي ومن مستويات اجتماعية ووظيفية ومعيشية مختلفة تعتقد بأن الأمراض العديدة التي قد فشل الأطباء في تشخيصها هي من عمل الجان !! وان أهم هذه الأمراض هو مرض العقم عند النساء. حيث أن المرأة لأتصدق إن أسباب العقم قد تكون عضوية أو نفسية، لكن المرأة ترجع حالة العقم إلى وجود ما يطلق عليه العرافين مصطلح " التابعة " هي التي تمنع عملية التخصيب في الرحم، ولهذا تقوم بطرق أبواب الدجالين لتخرج في نهاية المطاف وقد خسرت الكثير من الأموال وتكون الخسارة الكبرى عبر تعرضها للاغتصاب من قبل أكثر من روحاني. حيث يدعي الروحانيون والدجالون أن عملية اغتصاب المرأة تؤدي إلى حرق العارض الشيطاني في جسدها. إلا أن الأدهى من هذا إن هذه المرأة لاتستطيع أن تمنع مثل هذا الاعتداء الجنسي عليها بسبب السيطرة عليها وتخدير عقلها الباطن بالأوهام والمخاوف والترغيب والترهيب. وبعيداً عن هذه الأمور وقريباً من الحالات التي ضربت المجتمع العراقي وتحديداً قضية المفقودين فأن هذه القضية أسهمت برواج عمل المحتالين والدجالين وباتت سوقهم رائجة جداً في النصب والاحتيال على الناس المساكين. وبخصوص الطرق التي يستخدمها العرافين للإيقاع بضحاياهم أن عوامل التربية والتحصين من قبل العائلة أمر مهم جداً.إلا أن المصيبة أن حديث السحر والعمل وقراءة الفنجان يمثل مادة خصبة تنمو سريعاً في عقل المرأة وحتى الرجل في الأسرة المفزوعة، ولهذا ترسخ هذا الخوف بسبب إهمال التربية الصحيحة وعدم وجود وعي ديني حقيقي، وكذلك الوعي الثقافي المناسب مما يجعل الإنسان يقع فريسة سهلة لكذب ودجل مروجي القدرة على ترويض الجان وتسخيره لخدمة الناس وتسخير ما يسمى في عرف العرافين والدجالين " خادم الخرزة والحجاب " ليدفع الشر عن حامله من ناحية ويجلب له الخير الوفير من ناحية أخرى. لذلك فأن العرافين والدجالين بالكلام والإيحاء الشيطاني يساعدهم في ذلك سذاجة من يراجعهم على تقبل كل تعليماتهم وإطاعتها إطاعة عمياء. بالإضافة إلى ذلك أن الدجالين والعرافين يمتلكون القدرة على التمثيل والبراءة والطهارة وان الله قد اختصهم بالكرامة واللطف. وأنا هنا أتساءل عن أية كرامة يتحدثون وهم أياديهم ملطخة بدماء النساء الشريفات وضمائرهم ميتة. في حين إن الضحية نائمة بين أيديهم ليكتبوا فوق جسدها طلاسم وهمية ليمتعوا نظرهم ويشبعوا غرائزهم الجنسية " الحيوانية " بمفاتن الجسد المخدوع بكرامة صاحب الكرامات " الشيخ فلان أو السيد علان ". وأن احد العاملين بالعلاج الروحاني اخبرني عن الكثير من طرقهم وحيلهم، بعد ما قمت بزيارته أكثر من مرة والهدف من هذه الزيارات المتكررة له هو لغرض بحث هذه الظاهرة المخيفة، وقد أنجزت البحث والذي سيصدر عما قريب في كتاب مفصل وبشكل دقيق. حتى يساعد في تجنب الوقوع بين أيدي هؤلاء الدجالون الذين يمارسون الجريمة في وضح النهار وبمرأى من سلطة القانون. وقد صارحني الرجل ليس هناك اعترافاً بصحوة ضمير، ولكن من أجل التباهي والمفاخرة بما فعله من منجزات سيحاسبه الله عليها حساباً عسيراً. حيث ذكر الدجال : عندما تأتي المرأة لطلب استشارة في أي موضوع وبسبب خبرتي الطويلة استطيع أن اعرف دوافع زيارتها وكيفية اختراقها، حيث تبدأ بحديث عن الحظ والقسمة والصحة والزواج ومن دون وعي منها اجمع المعلومات التي تسردها عليّ واخبرها بأن هناك قسمتها مغلقة ولا تستطيع الزواج ولابد عليها أن توافق على أن أعمل لها جلسة لكتابة طلاسم تفك العمل ومن ثم أقوم بأخذها إلى " التكية " وهي المكان الذي يتخذه الدجالون لممارسة عملهم " وبعد أن أقوم بتدليك مناطق جسدها بحجة طرد الخدر والآلام العادية التي ترافق أي إنسان. تتعرض الضحية إلى الخدر، حيث استغل الفرصة وأقوم بمداعبتها جنسياً وعندما تسترخي الضحية فأنها لا ترفض أي طلب اطلبه منها سواء كان ذلك ذهباً أو بخوراً وهذا الأمر ينطبق على المرأة الباكر وكذلك على المرأة المتزوجة. وبعد ذلك تأتي متلهفة جداً للجلسة الثانية وعندها أقوم بالطلب منها بأن أتوجه إلى زيارة أهلها لكون العمل او السحر مازال موجوداً في منزلها لكي أتعرف على بقية النسوة الموجودات في المنزل لأنهن بكل تأكيد متحمسات لمثل هكذا جلسات آمنة تستطيع أن تفرغ الواحدة منهن شهرتها من دون خوف أهلها أو الفضيحة لكون الشيخ داخل الغرفة " يعزم على فلانة " وهكذا يكون الضحك على النساء. ويضيف أيضاً هذا الدجال حكايات أخرى حيث يقول : هناك من يأتي متلهفاً ومذعوراً لان سيارته قد سرقت منه. لذلك فأن هكذا زبون ورأفة بحاله نطلب منه بخوراً يصل سره إلى مائة دولار وطفل ومرآة ثم نوهمه بأن سيارته تسير في منطقة نحن نعلم أنه لايستطيع الوصول إليها، لأسباب أمنية أو طائفية وبالتالي نربح المبلغ ونربح من خلاله زبائن آخرين. ويستطرد هذا الدجال بالحديث عن انجازاته في خداع ضحاياه حيث يقول : أحياناً لا نمارس الجنس مع الضحايا، بل نأخذ الذهب من هذه الضحية أو تلك لكون الجن يشتهي خمسة أو عشرة مثاقيل من الذهب وحسب القدرة المادية للضحية. حيث نخدع الضحية ونرهبها بأن الجن سوف ينزعج إذا لم تعطيه ذهباً من نوعية 21 قيراطاً وهكذا تجلب المرأة أساورها الذهبية وتعطيها لنا عن طيب خاطر حتى إننا نستغرب لماذا أعطتنا هذا الذهب ؟ ولماذا لا تأتي بعد أشهر من الضحك عليها وتسأل عن الموضوع الذي طلبته منا ؟. لقد ساعد الفلتان الأمني ظاهرة الرشا بين الأجهزة الأمنية ورجال الشرطة في نمو دكاكين الدجل والشعوذة حتى أن الكثير منهم يعرض صوره وأرقام هواتفه النقالة وخاصة في المناطق الشعبية التي يغلب عليها الطابع الديني في جوها العام. كذلك فأن بعض رجال الشرطة أو التحريات أصبحوا زبائن لمثل هؤلاء الدجالين أوهموا الشرطة بأن عليهم سحراً او عمل وان الدجالين يستطيعون حماية الشرطي من العناصر الإرهابية وكذلك حمايته من أية مخاطر أخرى قد تحيط به وحتى تثبيته في المكان الذي يرغب بالبقاء فيه، كما إن هناك بعض وسائل الأعلام قد روجت لهم وبالغت في بضاعتهم طمعاً ببعض المغانم من الدولارات. ويضيف : لقد شاهدت قاضياً يتردد على احد مدعي الكرامات الذي اخبرني هذا بأن هذا القاضي هو من ابرز زبائنه وهكذا يكون القاضي فريسة لمهازل المهانة والاستخفاف لقدرات العقل البشري ليركب موجة الدجل والشعوذة لتحقيق أحلامه. وفي الختام ادعوا الأجهزة الأمنية العراقية لتوجيه ضربة قاصمة إلى هؤلاء المشعوذين لتخليص الناس البسطاء من دجلهم ومن أكاذيبهم ابتداءً من أبوعلي الشيباني وأنتهاءً بموزه العلوية. [size=32]وجزا الله المحسنين[/size]
*شاعر وإعلامي،رئيس تحرير مجلة البيارق وخبير في مستحضرات التجميل والأعشاب
ما أسباب تفشي ظاهرة الدجل والشعوذة في مجتمعنا : عبدالكريم سلمان اللامي