لليوم الثاني على التوالي يستيقظ العرب والمسلمون على مشاهد عدوان اسرائيلية مروعة وغير مسبوقة منذ العام 1969 على المسجد الأقصى. ويأتي العدوان الذي تسميه وكالات الانباء بـ»الاقتحام» بينما هو في الحقيقة حرب عسكرية مكتملة الاركان بمشاركة عشرات الجنود والمستوطنين، بمناسبة «رأس السنة اليهودية». فقد قام الاحتلال باغلاق شامل لمداخل البلدة القديمة في القدس المحتلة، عبر نصب الحواجز، ثم شن هجوما مسلحا على ساحات المسجد الأقصى، والمصلى القبلي، باطلاق قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي على المصلين لعدة ساعات ما اسفر عن إصابة 30 فلسطينيا، بحالات اختناق ورضوض، بحسب مصادر فلسطينية. ويبدو ان غياب اي رد عربي، باستثناء بيانات الشجب والاستنكار، على العدوان في يومه الاول شجع اسرائيل على مواصلة جريمتها امس. واكتفت منظمة التحرير الفلسطينية باتهام اسرائيل بـ«جر العالم إلى حرب دينية»، وكأنها ترى حشود المسلمين يرفعون المصاحف، وطالبت «المجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي، بتحمل مسؤولياتهم والتدخل العاجل للجم العدوان الإسرائيلي المستفز والمتواصل». وتكرر هذا النص في بيانات عربية اخرى. ومن الغريب ان نطالب العالم بالتدخل في قضيتنا بينما نكتفي نحن انفسنا بالفرجة على ما يحصل من عدوان. وحسب مسؤول فلسطيني فقد رفضت دول عربية واسلامية فكرة الدعوة إلى عقد مؤتمر للمنظمة المؤتمر الاسلامي لانقاذ الأقصى، رغم ان انشاء هذه المنظمة كان ردا على احراق الأقصى في العام 1969 قبل ان تتحول إلى اداة في الصراع السني الشيعي الذي لا يعلو صوت على صوته في العالم الاسلامي حاليا. بل ان احدا لم يسمع شيئا منذ زمن عن «لجنة القدس» المنبثقة عن تلك المنظمة ويترأسها العاهل المغربي، وهو ما يثير سؤالا مشروعا ان كان حان الوقت لاعلان وفاتها. ومن جهته قال العاهل الأردني الملك عبد الله في تصريحات باللغة الانكليزية ان «أي استفزاز جديد في القدس سيؤثر على العلاقة بين الأردن وإسرائيل». واضاف ان «الأردن لن يكون امامه خيار سوى اتخاذ اجراءات، ولسوء الحظ». واوضح «لقد حصلنا على تأكيدات من الاسرائيليين في السابق ان هذه الامور لن تحدث ولسوء الحظ نراها تحدث كما حدثت اليوم». ومن الواضح ان الاشارة هنا إلى سحب السفير الاردني من اسرائيل، ولكن هل تعني التصريحات ان العدوان الاسرائيلي على الأقصى بالقنابل والرصاص في مخالفة لتعهدات سابقة وقيام الشرطة الاسرائيلية للمرة الاولى بطرد الحراس الاردنيين الموجودين في الموقع ليس»استفزازا كافيا من اسرائيل» بالنسبة للاردن الذي يحمل امانة الاشراف على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس المحتلة؟ اما وزراء الخارجية العرب الذي تزامن العدوان مع اجتماعهم في دورتهم العادية نصف السنوية في الجامعة العربية في القاهرة فقد اغتنموا المناسبة للدخول في مسابقة بلاغية للاعراب عن موقف مخز من اللاموقف واللافعل تجاه العدوان. وفي بيانهم الختامي تفتق ذهنهم عن تحذير اسرائيل من «مغبة تماديها في استفزاز مشاعر العرب والمسلمين حول العالم من خلال استكمال خطتها العدوانية وغير القانونية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني القائم للمسجد الأقصى المبارك ومحاولة تهويده وتطبيق تقسيمه زمانيا ومكانيا والسماح لليهود بالصلاة داخل اسواره». لكن فاتهم ان يذكروا ماذا سيفعلون خاصة ان اسرائيل تتمادى بالفعل ومنذ سنوات في العدوان على الأقصى. للأسف فان المسجد الأقصى يبدو يتيما وحيدا وهو ينزف يوميا على ايدي العربدة الاسرائيلية، فيما يتفرج عليه مئات الملايين من العرب والمسلمين. حتى الجماعات الارهابية التي تزعم زورا وبهتانا انها تحمل لواء الدفاع عن اهل السنة تلتزم صمتا مريبا؟ فهل تراهم يعتبرون ان المسجد الأقصى لم يعد اولى القبلتين وثالث الحرمين؟ وأين المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث الحضاري الانساني؟ اليس الحرم الشريف «اثرا ثقافيا» ينبغي الحفاظ عليه؟ ولماذ تنتفض تلك المنظمات عندما يعتدي مسلمون على آثار في افغانستان او غيرها بينما تغض الطرف عن الحرب الاسرائيلية على المسجد الاعزل الاسير؟ ولكن هل يحق لنا ان نطرح هذا السؤال اصلا طالما بقي الفلسطينيون مشغولين بانقساماتهم السياسية، والعرب والمسلمون منهمكين بصراعاتهم؟ ام ينبغي على الحكومات العربية ان توفر على نفسها وعلينا مرارة هذه البيانات الجوفاء حتى تستكمل اسرائيل جريمتها في هدوء؟ رأي القدس [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
ما العلاقة بين الهبة الشعبية اللبنانية ضد زبالة الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان وبين ركلات مصورة إحدى شبكات التلفزيون المجرية، السيدة بيترا لازلو للأطفال واللاجئين السوريين على الحدود الصربية – المجرية؟ السيدة لازلو التي تعمل في شبكة تلفزيونية تابعة لليمين العنصري المتطرف في المجر اضطرت إلى الاعتذار، ولم تدر، ربما، أن ركلاتها تتصادى مع كلام عنصري أكثر وحشية من الركلات، يحاول تغطية العنصرية والفاشية بحكاية الممانعة إياها. الركلات تشير إلى ثقافة فاشية عميقة، كما أن الكلام العنصري العربي يشكّل فضيحة أخلاقية تؤشر إلى هلوسات التطهير العرقي التي تصنعها الفاشية الأسدية ومن لفّ لفّها، وهما يتكاملان في موقفهما العنصري، وفي احتقارهما العميق للاجئين مشردين هاربين من الموت، لم يجدوا في العالم العربي ملاذاً، فطفشوا في المراكب والشاحنات. المسألة ليست السيدة لازلو أو اشباهها من مثقفي هذه الساعة العربية المنقلبة، فهذه مجرد أبواق لنوبة جنون عنصرية تضرب العالم بأسره، وتسعى إلى تحويله إلى مزبلة. المسألة هي المزبلة والمزبلة تعيدنا إلى بيروت، فأعجوبة الزبالة أو النفايات أعادت لبنان إلى الخريطة العالمية. فريادة بيروت في المسرح السياسي العالمي بدأت مع حربها الأهلية وتفككها، إلى درجة جعلت غورباتشيف، آخر رئيس للاتحاد السوفياتي، يخشى على بلاده من اللبننة! قلنا يومها انها زبطت مع سعيد عقل ولكن بالمقلوب، بدل أن يكون لبنان نموذجاً تحول إلى أمثولة، والفرق بين النموذج والأمثولة مجرد مسألة لغوية، لذا لم يتوقف سعيد عقل عن التغني بالبطولة، حتى لو جاءت على ظهر دبابة اسرائيلية! الزبالة اللبنانية كانت بهذا المعنى استعارة عربية، وهي استعارة ملائمة لوصف مآلات الأنظمة وتعثر الثورات، التي جعلت من الشعب السوري اليوم رمزاً لإنسانية مفقودة تحاول ترميم نفسها من دون جدوى. نظام أمراء الحرب وبارونات المال حوّل لبنان إلى مزبلة، أو لنقل انه نقل المزبــــلة من استـــعارة إلى واقع ملمـــوس. فلبنان كان مزبلة في زمن الانتداب السوري، رغم ضجيج الإعمار وأحلامه الوردية، وبقي مزبلة بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005. كانت مزبلته خفية، لأنها كانت مغطاة بهيمنة أمنية تكمّ الأفواه، زمن الانتداب، وبقيت خفية بعد خروج الجيش السوري لأنها تغطت بالصراع السياسي الطائفي بين 8 و14 آذار، الذي جعل لبنان يعيش على حافة الحرب الأهلية. كان يمكن للمزبلة أن تبقى مقفلة لأنها منجم ذهب يجري تقاسمه وإعادة تقاسمه بين الأمراء والبارونات بمعزل عن أي رقابة شعبية. فالشعب مغيّب أو محبط أو خائف، لا يريد من الحياة سوى رمقها الأخير خوفاً من الأعظم. ولكن الشكل المافيوي لسلطة التقاسم والنهب كان لا بد له من أن يخضع لانفجارات دورية، مثلما يحصل في صراعات المافيا. المافيات تصفي حساباتها بالقتل، قبل أن يستعيد توازنها نصابه، أما مافيات الطبقة الحاكمة في لبنان، التي أوصلت النهب في الكهرباء والسدود والأملاك البحرية والخلوي والديون إلى ذروة لا ذروة بعدها، فلعبت بثارات الزبالة. وهنا سقطت في الفخ، وتحولت الزبالة من أزمة يجري حلها عبر إعادة تقاسم أموالها إلى كارثة. أغلب الظن أن الطبقة الحاكمة لم تستوعب فداحة لعبتها إلا بعد فوات الأوان. كانت تعتقد ان رمي الزبالة في وجوه الناس، وتركها تتعفن في الشوارع والأحياء، ليس أكثر من تصفية حسابات بين أطرافها، ستنتهي بتسوية قائمة على إعادة توزيع أموال النفايات. وهذا ما حصل عندما فض وزير البيئة محمد المشنوق العروض المقدمة من شركات تابعة أو مقربة من الزعماء السياسين إياهم، لكنها لم تزبط معهم، لأن الناس احتلت الشوارع، ولأن مجموعة من الشبان أعلنت الإضراب عن الطعام حتى يستقيل الوزير. طافت الزبالة على الطوائف اللبنانية الكريمة، وهي تحاول اليوم ترقيع هيمنتها بمشروع غامض أعده وزير الزراعة، مليء بالثغرات التي ستسمح للمنهبة إياها بأن تُطل برأسها من جديد ولكن بعد هدوء العاصفة. لكن العاصفة لن تهدأ، فالزبالة أعلنت زمناً سياسياً جديداً في لبنان، من السابق لأوانه رسم ملامحه اليوم. فالشابات والشبان الذين أعادوا لنا بيروت وأخرجونا من القرف واليأس، في حملة «طلعت ريحتكم»، وغيرها من المجموعات التي تشكلت وتتشكل، أعلنوا أن مشروعهم هو تنظيف لغة الزبالة السياسية بالزبالة. فالحضيض الذي وصلنا إليه هو آخر الحضيض، أو يجب أن يكون كذلك. وما بعد بيروت المزبلة لن يشبه ما قبلها. فبعدما أغرقونا في الروائح الكريهة، كشفوا كل عوراتهم ونذالتهم، ولم يعد من الممكن المصالحة مع هذا النظام. هذا الانفجار اللبناني الكبير سمح بما لم يكن يخطر في بال أحد، إذ استعاد اللغة العلمانية اللاطائفية، وأعاد الاعتبار إلى فكرة الوطن، وأعلن ضرورة تغيير لا تزال ملامحها بحاجة إلى التبلور. مزبلتنا في لبنان بصفتها استعارة عربية تفتح السؤال الكبير الذي يبدو ان كل اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين عاجزون عن سماعه. ففي العراق، كما في لبنان، شعور عارم بأن المزبلة الطائفية هي أم الفساد، وأن الحروب الطائفية هي غطاء للفساد والنهب وامتهان الكرامات، وأن شرط الخروج من الحرب الأهلية ليس العودة إلى النظام القديم الذي صنع الحرب، بل الثورة عليه. الشعار الذي ارتفع في بيروت: «كلّن يعني كلّن»، يحمّل مسؤولية تحويل لبنان إلى مزبلة إلى جميع أطراف النظام اللبناني من دون استثناء أحد. هذا الشعار يصلح أيضاً للعالم العربي الذي حوله الاستبداد والعته الأصولي إلى مزبلة. نعم «كلن»، من المحيط إلى الخليج، «كلن يعني كلن»، في العراق وسورية وفلسطين ومصر وليبيا والخليج وإلى آخره. الياس خوري [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]
خطبة لاذعة ضد لاجئ جاهز للرحيل، هكذا، إذا استعرنا من عنوان المسرحية الوحيدة لغارسيا ماركيز، يمكن أن نسمي تلك الحلقة من برنامج «غداً قد نلتقي» لواحد من أبرز ممثلي الإعلام السوري الرسمي المتلفز، ونعني المذيع أمجد طعمة. يستفيد المذيع من مواهبه التمثيلية المزعومة ليحاول التأثير في السوريين لثنيهم عن اللجوء، كأن الذين هجّوا كان لهم الخيار في ذلك. يستعطف، وتدمع عيناه، ويستخدم حركات زياد رحباني كالمعتاد، من آلاعيب لغوية مائعة (الأشقاء العرب، الأشقياء، لا ندري أين النكتة في ذلك، وما الابتكار!)، إلى تهدج في الصوت، ونبرة خطابية تستنهض العواطف القومية. يسأل المذيع متفرجه «ألم يلفت نظرك أنه لم يبق من السوريين سوى عشرة ملايين؟ ألم يلفت نظرك أنها الهجرة الأكبر بعد الحرب العالمية؟»، ولا يخطر للمذيع أن يسأل نفسه أي سبب دفع الثلاثة عشر مليوناً (حسب إحصائياته هو) الآخرين لأن يتركوا البلد، وما هي الأسباب الحقيقية للهجرة الأكبر؟ يستعرض المذيع صور اللاجئين المأساوية كي يخوّف اللاجئين المحتملين ويردعهم، يقسم مراراً وتكراراً إن الصور ليست «فوتوشوب»، وهو حلفان في غير محله، فما دمت قررت أن تحل المسألة بالحلفان حبذا لو حلفت، في الحلقة المقبلة، أن نظامك لم يرم الأحياء الآمنة بالبراميل العشوائية، وبصواريخ السكود العمياء، ولم يعدم الآلاف في أقبية التعذيب. يرفع المذيع مستوى الخطابة في آخر حديثه، تماماً كما لو أننا أمام مونودراما مسرحية ينبغي لها أن تنتهي بذروة ما، يقول بلغة زاجرة، كعادة كتاب التربية القومية المدرسي «ما لازم هالبلد تفضى، مو مسموح بلد عمره سبع آلاف سنة يفضى ويموتوا ولاده عالشط». ويبدو أن المسموح في عرف المذيع أن يقتل السوريون فقط بالبراميل وفي الأقبية. يختم المذيع بإعلان عجزه وعجز إعلامه عن إقناع الناس بالبقاء، ويقرر لذلك الانسحاب وإنهاء الحلقة، ولا نعرف بالضبط إن كان يقصد إيقاف البرنامج برمته، إذ تستحق خطبة من هذا النوع أن تكون خطبة وداع، ويستحق اعتراف من هذا النوع أن يكون استئذاناً بالانصراف. رجل عابر في مواجهة كلاب مسعورة فيديو على موقع «يوتيوب» يصور كلبين في شارع في نيويورك يهاجمان بإصرار رجلاً عابراً، يعملان فيه نهشاً وعضاً، لكن الناس حوله لا يقفون مكتوفي الأيدي، فهم يحاولون ردعهما، وإن تحملوا بدورهم منهما هجوماً شرساً. عابرون يدافعون بالأيدي وبخراطيم الماء عن رجل عابر في مواجهة كلاب مسعورة. يبدو فيديو نيويورك هذا وكأنه مصمم خصيصاً لمواجهة فيديو مشابه صور أخيراً في بيروت. في فيديو بيروت طارد رجل متوحش، بسبب خلاف على أفضلية المرور، مواطناً لبنانياً، وزرع جسده بعشرات الطعنات حتى قضى في قصة ذبح ولا أفظع، فيما الناس لا تلوي إلا على ضرب الكف بالكف، تحوقل وتمضي في طريقها. من زمان، حين كنا نسأل عن الفارق بين بلادنا وبلاد الأجانب، كان الجواب الأسهل يأتي تحت عنوان واحد هو «إغاثة الملهوف». أي أن الناس في الغرب تمر ولا تكترث لجريح أو ميت أو ملهوف، فيما بلادنا لا يمكن أن تترك جريحاً في الطريق. ليس فيديو نيويورك وفيديو بيروت استثنائيين، انظروا مثلاً مسألة اللاجئين السوريين، ففيها أجوبة كثيرة جدا! حفيد كوهين حسب تقرير متلفز لـ «فرانس24» فإن طالباً في كلية الإعلام في جامعة القاهرة أنجز فيلماً تسجيلياً بعنوان «حفيد كوهين»، بتكليف من أستاذه ومشاركة خمس عشرة زميلاً في التنفيذ. يتحدث الفيلم عن هجرة اليهود المصريين، وكيف أصبحوا اليوم بالعشرات بعد أن كانوا حوالي ثمانين ألفاً في خمسينيات القرن الماضي، إثر هجمات على مصالحهم. كذلك يعكس التقرير المصاعب التي واجهها الفيلم بدءاً من عدم تجاوب الناس، إلى مشكلات أمنية، إلى اتهامات بالتطبيع مع إسرائيل. وهنا يتحدث الأستاذ المشرف لينفي تماماً تلك التهمة، قائلاً إنهم تحدثوا في الفيلم فقط عن اليهود المصريين، ولم يأتوا علـى سيرة إسرائيل. تستطيع اليوم أن تجد لدى الإسرائيليين أنفسهم من المؤرخين من يقدم نظرة جديدة تدحض الرواية الإسرائيلية المتداولة، أو جزءاً منها على الأقل، وتنشر كتبهم ويجري تداولها، لكنك في المقابل لن تجد سوى جدار الإتهام بالتطبيع كلما حاولت البحث في تاريخ اليهود العرب، أو أولئك الذين كانوا عرباً قبل بعض الوقت. مقعد في قطار مقطع فيديو لرجل غاضب في قطار لندني، يصرخ بوجه شابة بريطانية بسبب وضعها حذائها على مقعد. الرجل اعتبر أن ليس من حقها أن تضع حذاءها على مكان سيلامس ثيابه التي سيصلي بها. الشابة ستصرخ بدورها دفاعاً عن تصرفها. هي حسب وجهة نظرها لم تخطئ، فهي، بالحذاء نفسه، تصلي في الكنيسة. إنها معضلة ثقافية بحق؛ كيف بوسعنا أن نصل إلى حل لها خصوصاً مع غياب إمكانية الحلول الوسط، فمثلما لدينا مشكلة مع الحذاء ورمزيته، هذه التي لا تعني شيئاً للغرب، هناك أيضاً الكلاب، واللحوم الحلال، والحجاب، وسواها من مشكلات. كان بوسع الرجل، بأسوأ الأحوال، أن يزم شفتيه امتعاضاً، أو أن يلعن، في سره، اليوم الذي جاء فيه هذه البلاد، أما أن يصرخ هذه الصرخة المدوية أمام كاميرات المراقبة في القطار، فهذا لن يدفع الشابة البريطانية، إلا لمزيد من الكراهية والنبذ والابتعاد يميناً. قوة الصورة الأولى مع كل أيقونة سورية جديدة تشكل دحضاً لرواية النظام السوري، ستجد من يشوش بحكاية تكذب وتناقض وتخترع حكاية بديلة. مع بدايات الثورة السورية كان هناك «القاشوش»، الذي بات أحد أساطير الثورة، فجرى اختراع رواية تكذب حكاية القاشوش وترى فيه شخصية مخترعة من الأساس. كذلك فعلت قناة تلفزيونية عراقية باستضافتها امرأة عراقية قالت إنها إحدى ضحايا غرق القارب الذي قضى فيه الطفل، الأيقونة إيلان كردي. لكن أهم ما ساقه التقرير هو اتهام والد الطفل بأنه كان هو المهرب، حسب شهادة المرأة نفسها، وهنالك أيضاً اتهام الضمير العالمي بأنه احتفى بصورة غريق وحيد هو إيلان وأهمل غيره من العراقيين، مع العلم أن العالم نفسه أهمل أيضاً الأخ الغريق لإيلان، فهو ضحية بالقدر ذاته. وهنا يبرز دور الصورة، وأثرها الكبير. في النهاية لن يستطيع أحد أن يبدل هذه الأيقونات التي انفصلت عن المحيط الذي ولدت فيه، وأخذت مسارها الخاص بها. مهما بلغت الحكايات الموازية من قوة، يبدو أن الحظوة ستظل للصورة الأولى المدوية. كاتب من أسرة «القدس العربي» راشد عيسى[/size]
الأقصى يحترق… وفروا عليكم بياناتكم الجوفاء ونشرة القدس العربي اليوكية