عندما رأى الفريسيون والكتبة تلاميذ يسوع يأكلون الطعام بدون أن يغسلوا أيديهم، وسألوه عن هذا الأمر الذي يجري أمام أعينهم، لم يكن بقصدهم أن يراعي أولئك عادات الصحة والنظافة، بل ان يكون في ضميرهم مراعاة للرتب الطقسية، لأن غسل الأيدي كان نوع من طقس التطهير اليهودي. ففي سفر الخروج (30: 17-21) تنص الشريعة كيف على الكهنة أن يغتسلون قبل تقديمهم لذبائحهم. وقد أمتد هذا التقليد ليشمل جميع اليهود، بأن يلتزموا به حتى قبل الوجبات الغذائية لمحاولة إعطاء هذه الوجبات معنى دينياً، الذي ينعكس في البركات التي كانت تُتلى عندما كانوا يبدأون بتناول طعامهم.
إن التطهير الطقسي كان رمزاً للنقاوة الإخلاقية التي يجب ان يمتلكها شخص ما حينما يدنو من الله؛ إلا أن الفريسيين فقد ركزوا فقط على البعد الخارجي لهذه العملية الطقسية. لذلك، ما يقوم به يسوع هو محاولته لإرجاع المعنى الأصيل لمباديء الشريعة تلك، التي كان غرضها تعليم السبيل الصحيح لتقديم الإجلال لله (راجع يوحنا 4: 24).
إن ربنا يسوع المسيح، هو المفسر الأصيل للشريعة، لأنه كإله هو المؤلف لتلك الشريعة التي أُعطيت لموسى على جبل سيناء. فهو الأن في هذا النص يفسر بُعد الوصية الأربعة ويُعيّن الأخطاء التي أختلقها الإفتاء اليهودي. لقد شوّه الكتبة والكهنة على مر السنين، المعنى الحقيقي للوصية الرابعة. ففي زمان يسوع، كانوا يقولون للناس بأن الذي يساهم بالتبرع نقداً أو بالحاجات العينية، يمكن ان يُحَل من دعمه لأبويه: فكانوا يوهمون الناس بأنهم يكرمون آباءهم إن دفعوا لهم ما يحتاجونه لخزانة الهيكل. لكن يسوع يقول: إنهم تحت هذا الغطاء، يهملون آباءهم وشيوخهم. بالنسبة للمسيحيين، تتضمن الوصية الرابعة المساعدة الحقيقية للآباء إن كانوا مسنين أو محتاجين، حتى إن كان للأبن أو للأبنة عائلة أخرى، فعليهم ان يؤدوا واجباتهم البنوية حتى آخر نفس من حياة الوالدين.
يتهم يسوع الفريسيين بأنهم مراؤون، أي مثل الممثلين الذين يستعرضون افعالهم أمام الملأ. يظهرون للناس بأنهم يطيعون كلمة الله من خلال ممارساتهم الخارجية إلا إنهم من الداخل يخفون رغبات الشرير ومقاصده الخبيثة. ويتهمهم ايضاً على انهم يتركون كلمة الله من خلال استبدالهم لها بتهكماتهم وتفسيراتهم المبتكرة على انها هي التي ما يأمر به الله. فَهُم يصغون إلى الجدالات العقيمة بدلاً من إصغائهم لكلمة الله. فيشير يسوع بما ينطبق عليهم من نبؤة إشعيا (29: 31) عندما يوبخ هذا النبي شعب الله في زمانه، ويقول ان هذا الشعب يكرم الرب بشفاهه أما قلبهم ضالة هي لعدم طاعتهم لشريعة الرب.
إن الله من خلال رحمته التي لا توصف يقدم لنا الغفران المجاني والنعمة كي نستطيع ان نتغلب على الخطيئة والشر في حياتنا. لكن إن كان علينا قبول رحمة الله وعونه، يجب علينا ان نعترف بأننا مذنبون ونطلب هذه الرحمة بكل شوق ولهفة. فقط الله يمكنه ان يُغيّر قلوبنا ويجعلها نقية من خلال معونة الروح القدس الذي نسأله كي يأتي لنجدتنا
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :